محمد عبد الرزاق القشعمي
شدَّ انتباهي المهرجان الذي نظمته جمعية الثقافة والفنون بالدمام، ليستعرض سيرة أربعة أعلام خدموا الوطن في مجالات مختلفة بعنوان: (مهرجان الطفل والعائلة يعيد صياغة 4 شخصيات وطنية في (معاريس التاريخ) وهي شخصية، غازي القصيبي، ونهار النصار، وعبدالله جمعة، وعبدالله فؤاد)، وقد اخترت منهم ما أطلق عليه لقب: طيار الملوك نهار النصار.
وقد نشرت صحيفة (الشرق) تفاصيل المهرجان (1) بقلم محمد خياط، فتذكرت ما سبق أن قرأته في كتاب الأستاذ إبراهيم محمد الحسون (خواطر وذكريات) من أنه في عام 1357هـ/ 1938م كان يعمل في جمرك الخبر، وكانت الخبر ما زالت قرية صغيرة على شاطئ الخليج العربي ومنازلها عبارة عن عشش من سعف النخل أو صنادق خشبية، فيصف حياتهم الاجتماعية البدائية بها ومن أول من سكنها من عمال شركة البترول مع بدايات تنقيبها عن النفط، فقال إنه رأى ضمن سكان الخبر في العشش بعض كبار موظفي شركة الزيت من جنسيات مختلفة، وذكر من بينهم من السعوديين عبد الرزاق النصار - القادم من الزبير- وابنه نهار وكان صغير السن، والذي أصبح فيما بعد طيار الملك فيصل والملك خالد والملك فهد في عهده (2).
نعود إلى ما نشرته الشرق تحت عنوان: (معاريس التاريخ)، وسأكتفي بما يتعلق بالطيار النصار والذي جسد شخصيته الممثل إبراهيم الحجاج، وجاءت شخصية المرحوم نهار النصار حافلة بالجد والاجتهاد كأول طيار سعودي في المملكة يسمى طيار الملوك.
تقلد مناصب مهمة وقاد كذلك رحلات عديدة لغالبية ملوك المملكة، منهم الملك سعود، والملك فيصل والملك خالد، والملك فهد، والملك عبدالله - رحمهم الله.
التحق بشركة الزيت العربية الأمريكية (أرامكو) في الظهران منتصف عام 1950 حين كان والده مقاولاً يتولى بناء بعض المرافق هناك، وكان يرافقه إلى مطار الظهران فيرى شغفه بالطيران.
وفي مجال عمله لاحظ رؤساؤه في الشركة شغفه بالطيران، أهلَّه لأن ينتقل من عمله مراسلاً مكتبيًا في مكاتب الشركة، إلى العمل فنياً تحت التدريب في ورشة الشركة المخصصة للطائرات في مطار الظهران. وقد ألهب هذا التحول حماسه لمعرفة كل شيء عن الطيران والطائرات وأعانه على ذلك الاهتمام الذي حظي به من فنيي صيانة الطائرات الإيطاليين الذين كانوا يعملون في ورشة المطار.
بعد ذلك أرسله والده في عام 1953 إلى مصر ليبدأ رحلة تعلم الطيران، وهناك التحق أولاً بمدرسة (سانت أندراوس) بالإسكندرية، ليحصل على الشهادة الثانوية التي تؤهله للالتحاق بمعهد الطيران، وفي عام 1954 التحق بمعهد مصر للطيران في إمبابة، وتلقى تدريباً على الطيران على يد المدربة المشهورة (الكابتن عزيزة محرم فهيم).
واصل تدريبه في المعهد حتى شهر مايو عام 1956، وبعد ذلك أرسله والده إلى بريطانيا للاستزادة من علوم الطيران. وهناك التحق بجامعة (ساوثها متون) للعلوم الجوية، حيث حصل على رخصة طالب طيران.
استمر بالدراسة حتى شهر سبتمبر من عام 1956 فاضطر إلى قطع دراسته بسبب العدوان الثلاثي على مصر.
عاد إلى مصر لمواصلة دراسته في معهد مصر للطيران حتى شهر نوفمبر 1957، حيث حصل على إجازة الطيران الخاص.
عاد إلى المملكة ليعمل بالخطوط الجوية العربية السعودية، كمساعد طيار في الأول من شهر ديسمبر عام 1957 وحتى شهر نوفمبر من عام 1958، حيث أمر ولي العهد الأمير فيصل بن عبد العزيز بإعطاء فرصة للطيارين السعوديين لتولي قيادة الطائرات لعدم وجود قائد طائرات من السعوديين - آنذاك -لأن قادة طائرات الخطوط السعودية آنذاك كانوا من الجنسيات الأجنبية - وقد تمكن الطيار نهار النصار من اجتياز الاختبار اللازم وأصبح أول وأصغر طيار سعودي ينال رتبة قائد (كابتن) طائرة تجارية، على طائرات دي سي 3، وسنه لم يتجاوز 22 عاماً، مواصلاً الطيران والتدريب على مختلف الطائرات التي انضمت إلى أسطول الخطوط السعودية.
كما نشرت صحيفة الرياض(3) ضمن تحقيقاتها (سطور المشاهير) من إعداد منصور العساف بعنوان: (قاد أول رحلة تعبر المحيط مع الملك فيصل وأصبح أصغر طياري العالم في وقته - نهار النصار.. طيار الملوك). واستعرضت الصحيفة سيرة حياته بالتفصيل، نختار منها:
في عام 1355هـ 1936م وًلد بالخبر من المنطقة الشرقية من المملكة نهار بن عبد الرزاق بن محمد النصار، حيث استقر والده هناك بعد أن نزح أجداده من السليّل، في وادي الدواسر، للسكن في بلدة الصفرات ثم عشيرة سدير، إلى أن ارتحل جده محمد بن نصار وإخوته عبدالله وسعد وناصر، قرابة عام 1280هـ إلى مدينة الزبير.
عمل محمد وابنه عبد الرزاق جمّالين يعملون على نقل الحجاج والمعتمرين من العراق إلى الحجاز ونقل البضائع وتنظيم الرحلات.
عاد عبد الرزاق وأخوه سعد إلى المنطقة الشرقية من المملكة حدود عام 1352هـ/ 1923م مع بداية انطلاق أعمال التنقيب عن النفط في المنطقة، فعملا مع الشركة بعض الوقت، ثم تفرغا للعمل كمقاولين.
وُلد نهار بن عبد الرزاق في الخبر عام 1355هـ فالتحق بالكتَّاب، وتعلم مبادئ القراءة والكتابة، ودرس القرآن الكريم، وتعلم شيئاً من اللغة الإنجليزية على يد معلمة هندية كان زوجها يعمل طبيباً في الخبر، حتى افتتحت أول مدرسة ابتدائية في الخبر باسم المدرسة «الأميرية» ثم سميت فيما بعد مدرسة «الخبر الأولى»، وأخيراً حملت اسم مدرسة «معاذ بن جبل الابتدائية».
بعد أن أكمل دراسته الابتدائية التحق بشركة الزيت العربية الأمريكية (أرامكو) في الظهران منتصف عام 1950 ليعمل مراسلاً مكتبياً مع مواصلته تعلم اللغة الإنجليزية وبعض العلوم الأساسية في مدرسة الشركة.
وكان والده يتولى إنشاء بعض مرافق المطار، فكان يذهب معه لمشاهدة إقلاع وهبوط الطائرات، وكان أثناء عمله بالشركة يحمل الأوراق والملفات من مكتب إلى آخر فكان يسير مسرعاً ومقلداً صوت ومسير الطائرة، فنقل بعد ذلك ليعمل فنياً تحت التدريب في ورشة الشركة المخصصة للطائرات واستفاد من خبرة الفنيين الإيطاليين وتوثقت علاقته بهم، واستمر يتواصل معهم ومع أسرهم حتى بعد رحيلهم عن المملكة.
شجعه والده وسهل له الذهاب إلى مصر ثم إلى بريطانيا ليدرس علوم الطيران. وقد ذكر زملاؤه الذين درسوا الطيران فيما بعد بعثتهم الحكومية، وعادوا ليستلموا مسؤولية تأسيس الخطوط السعودية حدود عام 1958.
يذكر القائد جزاع الشمري، أنه هو والقائد نهار النصار والقائد أحمد مطر، كلهم عملوا في (أرامكو) قبل دخولهم عالم الطيران، بيد أن نهار كان قد سبقهم بسنوات.