حمد ناصر الدُّخَيِّل
مدخل: عرفت الهجرات البشرية منذ زمن موغل في القدم، قبل فجر التاريخ بآلاف السنين، وكانت تحدث على هيئة موجات بشرية، أو جماعات، أو أسر، أو أفراد. ومن أهم العوامل في حدوثها وتناميها واستمرارها منذ ذلك الوقت حتى وقتنا الراهن، الحروب، والنزاعات، والمجاعات والكوارث، والبحث عن وسائل الرزق.
فالموجات الأولى من ظهور الإنسان جابت الأرض من أقصاها إلى أقصاها، وتنقلت عبر القارات، ومن إقليم إلى آخر؛ فسكان الأمريكتين الأصليون ـ على سبيل المثال ـ لم يكن موطنهم الأول أمريكا الشمالية ولا أمريكا الجنوبية، بل قدموا إليها قبل التاريخ من قارة آسيا في هجرات متتابعة من منطقة سيبيريا وما جاورها إلى ألاسكا في شمال أمريكا الشمالية عبر مضيق بيرنج Bering Strait الذي يفصل قارة آسيا عن قارة أمريكا الشمالية. وكان أثناء هجراتهم أرضًا يابسة لم تغمرها المياه بعد، ويبلغ أضيق نقطة نحو 85 كيلاً، اكتشفه الملاح الدانمركي فيتوس بيرنج Vitus Bering (1681 ـ 1741م) عام 1738م، وسمي باسمه(1).
وهؤلاء السكان هم الذين أطلق عليهم الرحالة الإيطالي كريستوفر كولومبس Christopher Columbus (1451 ـ 1506م) خطأ اسم الهنود الحمر(2)، وتوفي قبل أن يعرف خطأه.
وكان أول اكتشافه للعالم الجديد عام 1492م، ويتزامن هذا التاريخ مع سقوط غَرْناطة في يد الإسبان(3). ثم أتبع رحلته الأولى برحلة ثانية عام 1493م، ورحلة ثالثة أخيرة عام 1498م(4).
وإيزابيلا ملكة إسبانيا التي أزالت الدولة العربية المسلمة من الأندلس مع زوجها فرديناند (فرناندو) هي التي جهزت رحلات كولومبس، وأمدته بالسفن والعتاد والرجال.
وكان العرب في الجاهلية قومًا رُحلاً إلا من سكن منهم في الحواضر والأرياف قانعين بالحياة والعيش في جزيرتهم، لا يرومون هجرة خارج حدودها إلا ما ذكر من رحلة الغساسنة من اليمن إلى أطراف الشام، والمناذرة إلى العراق، وكندة إلى شمال الجزيرة العربية، وما نقله ابن خلدون (ت 808هـ) عن ابن الكلبي والطبري والجرجاني والمسعودي عن أن «أفريقس بن قيس بن صيفي لما رجع من غزو المغرب ترك هناك من قبائل حمير صِنهاجة وكُتَامة، فهم إلى اليوم وليسوا من نسب البربر»(5).
ويستبعد ابن خلدون هذا الغزو من أساسه؛ لأنه لن يتم إلا بالاستيلاء على الشام ومصر، ولم يرد عن ذلك خبر في رواية صحيحة(6).
وهيأت حركة الفتوح العربية والإسلامية الواسعة سبل الهجرة لعشرات الألوف من العرب إلى الأقطار المفتوحة، واستوطنوها مع أسرهم، واندمجوا في المجتمعات الجديدة في آسيا وإفريقية وأوروبا (الأندلس وصقلية)؛ ولذلك نجد كثيرًا من الأسر والأفراد يعيشون في هذه القارات والبلدان غير العربية منذ عدة قرون، وينتسبون في أصولهم إلى قبائل وأسر عربية معروفة(7).
وفي العصر الحديث كثرت هجرة العرب من حضرموت إلى دول جنوب شرق آسيا، وامتزجوا بالسكان الأصليين، ورأيت منهم كثيرين في إندونيسيا وسنغافورة لا يعرفون اللسان العربي، وقابلت شيخًا في سوق سنغافورة بالقرب من المسجد السلطاني عام 1413هـ يتاجر في بخور العود لا يزال يحتفظ بلهجته العربية الحضرمية، وقال: إن له أربعين عامًا هنا منذ أن قدم من حضرموت.
وقرأتُ منذ قليل في إحدى وسائل التواصل الاجتماعي أن في منطقة إرفد في الجزائر مدينة تنسب إلى المعاضيد من الوهبة من تميم، قدموا إليها من نجد، وأنشأوها على غرار بلدة نجدية في التصميم والبناء وأسلوب المعيشة، والنساء يرتدين الملابس والعباءات السوداء كما ترتديها النجديات؛ فالبلدة قطعة من نجد. ولستُ متأكدًا من صحة المعلومة.
وبطون القبائل وأفخاذها التي رحلت من نجد إلى العراق والشام والسودان ومصر، وشمال إفريقية وإيران والهند وغيرها لا تحصى كثرة.
هجرة النجديين إلى الزبير والكويت وغيرهما:
تتابعت في العصر الحديث على المستوى الإقليمي رحلات النجديين إلى الزبير والكويت والبحرين والبصرة وبغداد، واستيطان كثيرين فيها. وظفرت الزبير ـ بصفة خاصة ـ بكثرة المهاجرين إليها، حتى إنها تعد بلدة نجدية، لا تختلف عن مثيلاتها في نجد في العادات والتقاليد، وفي شؤونها كلها، وسكانها ينتسبون إلى قبائل وأسر نجدية عربية معروفة(8). وتوقفت الهجرة إليها بعد ضمها إلى العراق.
وتنافسها الكويت في عدد من هاجروا إليها من أهل نجد منذ القرن الثامن عشر الميلادي. ونلاحظ أن كثيرًا من أسر الكويت أصل أجدادها من نجد، ولا تزال تحتفظ بأسمائها النجدية(9)، والروابط الأسرية قائمة بين مَنْ استقروا فيها مواطنين كويتيين وأقاربهم في المملكة العربية السعودية الذين يعيشون في سدير والوشم والقصيم وحائل وغيرها من أقاليم نجد وبلدانه، ولا تزال العلاقات بين الطرفين قائمة قوية يتبادلون الزيارات والتهاني في الأعياد والمناسبات، ويصهر بعضهم إلى بعض. وكثير من العادات النجدية نجدها في الكويت كالكرم، والشهامة، والنخوة، وصلة الرحم. وحين يستمع أحدنا إلى المسلسلات الكويتية يجد اللهجة النجدية حاضرة في الألفاظ والأمثال والحكم والعبارات الدارجة.
وسبب الهجرة من نجد إلى غيرها من الأقطار والبلدان البحث عن مصادر العيش والرزق حين تضيق بهم سبلها بسبب ما يصيب نجدًا خاصة من قحط وجدب وجفاف حين تقل الأمطار، وتنضب الآبار، وتهلك المواشي، وتذوي النخيل، ويندر الطعام من تمر وقمح وذرة ودخن، وهي عماد الغذاء في نجد، يقول المؤرخ النجدي إبراهيم بن صالح بن عيسى (1270 ـ 1343هـ): «وفي سنة 1289هـ اشتد الغلاء والقحط في نجد، وأكلت الميتات وجيف الحمير، ومات كثير من الناس جوعًا في هذه السنة وفي التي قبلها كما ذكرنا، وجلا كثير من أهل نجد للحسا والزبير والبصرة والكويت، واستمر ذلك إلى دخول السنة التي بعدها، ثم أنزل الله الغيث، وأخصبت الأرض، ورخصت الأسعار، فلله الحمد والمنة»(10). وذكر عدد من مؤرخي نجد، كابن لعبون، والفاخري، وابن ربيعة، وابن عَبَّاد وابن بشر بعض سنوات القحط التي ألمت بنجد وتواريخهم منشورة.
بين المجمعة والمرقاب:
قصة صدرت طبعتها الأولى في الكويت عام 2017 في 120 صفحة من القطع الصغير للكاتبة القصصية منيرة العيدان، ولم يذكر اسم الناشر ولا المطبعة التي طبعتها، وبذلك تكون المؤلفة هي الناشرة. رسمت الغلاف سهيلة النجدي، والرسم مستوحى من مرقب المجمعة المشهور المطل عليها، وهو مقارب لمنظر جبل المرقب، والبرج المرتفع المستدير الذي يعلوه. ويبدو أن فنانة الرسم استوحته من صورة حقيقية له، وأضافت إليه بعض اللمسات الفنية.
سطور عن كاتبة القصة:
منيرة بنت عبد الرحمن بن عبد الكريم بن عبد الرحمن العيدان من أسرة كريمة، تنتسب إلى قبيلة عربية مشهورة، هي قبيلة تميم. والعيدان من آل مُشَرَّف من الوهبة(11)، وأصلهم من أشيقر بلد الوهبة. ووالدتها من آل العنقري (العنجري) من تميم، وأصلهم من ثرمداء التي لا تبعد كثيرًا عن أشيقر في
إقليم الوشم. وسدير، والدهناء، والوشم من منازل بني تميم قديمًا وحديثًا، وكانت للعناقر إمارة ثرمداء، ومنهم الشيخ عبدالله بن عبدالعزيز العنقري الذي قدم إلى المجمعة من ثرمداء عام 1326هـ، وتولى القضاء فيها وفي سائر سدير، وتوفي في المجمعة عام 1373هـ؛ فالكاتبة تميمية الأب والأم، وحرصتُ على ذكر النسب؛ لأنها صدرت روايتها به حين ذكرت أسرة بطلة القصة.
ولدت بالكويت في 3 - 9 - 1982م، وحصلت على درجة البكالوريوس في اللغة الإنجليزية وآدابها من الجامعة الأمريكية في الكويت عام 2008م، وعينت مترجمة في وزارة الدفاع، وأسست نادي قصتي للأطفال في شهر كانون الأول (ديسمبر) عام 2011م، وتعينت مسؤولة الأنشطة الثقافية في مؤسسة لوباك في شهر تشرين الثاني (نوفمبر) عام 2012م.