د. فهد بن علي العليان
هاتفني قبل أشهر الأخ والصديق د.محمد المشوح وعندما رأيت اسمه يظهر في شاشة جوالي خجلت كثيرا من غيابي أحيانا عن حضور منتدى وملتقى الثلوثية الذي يقيمه في منزله، وعزمت أن أقول له: إني مشتاق ومقصر لمجلسه العامر بالثقافة والضيوف والمتحدثين، لكن المفاجأة أن أبا عبدالله - مشكورا - تجاوز توقعي وأحسن الظن بي كثيرا، ذلك أن اتصاله من أجل دعوتي لأكون متحدثا في مجلسه (الثلوثية)؛ فشكرته من قلبي لحسن ظنه وقدمت اعتذاري لأن هناك من هم أولى مني بالحديث وليس هناك ما أقوله وأستطيع تقديمه في مثل هذا المنتدى المتميز.
أقول هذه المقدمة - وأنا أكتب عن الثلوثية- حتى لا يتوهم أحد أنني لو كنت ضيفا يوما ما، فإنما هو نتيجة لهذا المقال وما سيحمله من حروف في الحديث عن الثلوثية وصاحبها بعطاءاته المتعددة. وهنا، لا بد أن أعترف للقارئ الكريم أن الحديث عن (الثلوثية) - بوصفها ملتقى ثقافي يستضيف شخصيات وطنية لها إسهامات متنوعة- يستلزم الحديث عن صاحب الثلوثية، كما لابد من الإشارة إلى (دار الثلوثية) للنشر.
لقد عرفت د. المشوح منذ سنين عديدة حين ابتدأ نشاطه الثقافي وافتتح ثلوثيته داعيا لها ضيوفا متميزين في فنون مختلفة، فكنت ألتقيه في بعض المناسبات الثقافية وكان - مشكورا - يمازحني: لماذا لا تأتينا ؟ فأجبت دعوته سنوات، أحضر وأستفيد وألتقي بأساتذة وزملاء من مختلف المناطق، وكان هو يتهلل فرحا بقدوم ضيوفه مرتادي الثلوثية، بل ويفتح قلبه قبل أبواب منزله، ويصافح فؤاده الطيب مرتادي الثلوثية قبل أن تصافحهم يمينه مرحبا، حيث يستقبل ضيوفه عند باب منزله ويدخل معهم إلى حيث يجلسهم واحدا واحدا، ولا يفعل ذلك وحده بل معه أولاده وإخوانه الفضلاء.
هذا الترحيب المباشر والوجه الطلق المتهلل، بالإضافة إلى رسائل الجوال التي تذكر بموعد وضيف الثلوثية، تجعل الإنسان يصاب بالحرج الشديد عندما يحضر وكذلك حينما يغيب لانشغاله. واستمرت الثلوثية بعطائها الثقافي الرصين يقودها بكل اقتدار صاحبها الذي لا يتوانى أبدا عن التنويع في المتحدثين من مختلف مناطق المملكة، بل ويستثمر حضور ضيوف معرض الرياض ومهرجان الجنادرية فيدعوهم في داره ليكون اللقاء متنوعا وحافلا بنقاشات حول الثقافة والكتاب والنشر.
وهنا أتذكر أنني كتبت مقالا بعنوان: (الإقليمية أم الوطنية يا علي الموسى؟) عام 1430 ومما ورد فيه «قضينا ليلة جميلة هادئة وساخنة -مع مجموعة من الزملاء- في ثلوثية الأخ العزيز الدكتور محمد المشوح مع قارئ وكاتب وطني مبهر يسيطر عليه حب الوطن كما يسيطر على كتّاب ومثقفي هذا الكيان العظيم المملكة العربية السعودية. لقد كان لقاءً متميزاً وأمسية رائعة مع كاتب جريدة الوطن الزميل المشاغب الدكتور علي بن سعد الموسى التي بدأها أستاذنا المتألق حمد القاضي (أبو بدر) بالإشادة بطرح الكاتب في موضوعاته الوطنية المتنوعة، ثم طوّف بنا الضيف في بساتين متعددة من بساتين منطقة عسير الجميلة والمحبوبة بدءاً ببداية الوطن وكتابته بها، ثم الحديث عن الجامعة، وبعد ذلك عن جوانب متعددة تهم مسيرة الكاتب».
لقد سطعت الثلوثية في سماء العاصمة (الرياض) لتكون إحدى المنارات الثقافية التي يجتمع فيها صاحبها المثقف الأنيق مع ضيوفه الذين يجدون بغيتهم في جو حواري هادئ حول مختلف الشؤون الثقافية، ويكفي الداخل لمجلس أبي عبدالله أن يجد في صدره قامة وقيمة ثقافية وطنية بحجم الشيخ محمد بن ناصر العبودي - حفظه الله – بالإضافة إلى مجموعات من الفقهاء وعلماء اللغة والأدباء والمؤرخين. وهنا لا بد من الإشارة والحديث عن الثلوثية أن صاحبها يذكر له ويحمد له ملازمته للشيخ العبودي عقودا طويلة من خلال البرامج الإذاعية حول رحلات الشيخ العبودي وعطاءاته المتنوعة، ولعل من أبرزها متابعة إصدار ونشر كتب الشيخ العبودي؛ حيث إن عمل د. المشوح نبيل وجليل سيحفظه له التاريخ وستدعو له الأجيال القادمة. فلا يمكن أن ينسى أو ينكر ما قامت وتقوم به دار الثلوثية للنشر بمتابعة دؤوبة من صاحبها من جهود في نشر العديد من الكتب والتراجم وكتب الرحلات وغيرها لكثير من المؤلفين السعوديين وغيرهم.
وأنا هنا أكتب لليوم وللغد وأقول: إنه لم ينس مسقط رأسه (بريدة)؛ حيث يبادر ويشارك في منتدياتها وملتقياتها المتنوعة، بل يبذل كل جهوده مع أهالي مدينته لكل ما يخدم أبناء هذا الوطن الغالي. إن د. محمد المشوح بشخصه الكريم وثقافته العالية وجهوده الثقافية المتنوعة من خلال الثلوثية ودار النشر يعد إحدى القامات الثقافية في بلدنا المعطاء ويستحق الشكر والتقدير نظير ما قام وما يقوم به، بل ويستحق التكريم إذ شهد مجلسه تكريم أدباء ومثقفين على قيد الحياة وبعضهم رحل عن هذه الدنيا.
أشعر وأنا على وشك الانتهاء من كتابة هذه الحروف المتواضعة أنني لم أوف أبا عبدالله حقه ولم أتحدث عنه بالقدر الذي كنت أتوقعه وآمله.
وقبل أن تتوقف الحروف أقول:
كرّموا المشوح وثلوثيته ودار نشره.
(الثقافة عناء) ..