في مقالتي هذه أقدم اقتراحا لرؤساء أقسام اللغة العربية في الجامعات السعودية. فبعد اطلاعي على الخطة الدراسية للقسم أعلاه في مرحلة البكالوريوس لاحظت أن أكثر الجامعات تبدأ مقررات البلاغة بعلم المعاني يليه البيان ثم البديع، ولم يسبق هذه العلوم مقرر خاص بتاريخ البلاغة، إلا بعض الجامعات فوجدت في توصيف مقرر» علم المعاني» عرض سريع في المحاضرات الأولى لتاريخ البلاغة.
ومقرر «تاريخ البلاغة العربية» مقرر مهم جدا؛ إذ يجب على الطالب في هذا التخصص الإلمام بتاريخ البلاغة قبل الشروع في علومها الثلاثة، فالحاصل أن الطلبة المتخرجون من قسم اللغة العربية، إذا لم يكملوا الدراسات العليا، فالأغلب منهم الذي لم يستمر بالقراءات في مجال التخصص، يَفهَم ويُفهِم الأجيال اللاحقة أن للبلاغة ثلاثة علوم: المعاني والبيان والبديع، دون الوعي بماهية هذه العلوم، ويستمر الحال على ذلك.
والمسار الصحيح الذي يجب أن نمهده للطالب في هذا التخصص أن يفهم ويلم بالتاريخ العريق للبلاغة قبل استقرارها في نهاية عمرها على هذه العلوم الثلاثة، وهذا الأمر يتحقق في تدشين مقرر خاص باسم» تاريخ البلاغة العربية» تتناول مفرداته تاريخ البلاغة منذ بداية نشأتها وحتى استقرارها على ما استقرت عليه اليوم في علومها الثلاثة، حتى إذا ما بدأ الطالب في دراسة المقرر التالي وهو علم المعاني، ثم البيان، ثم البديع، يكون تحت ضوء منارة ترشده لماهية هذه العلوم، وكيف نشأت، ولماذا هذا التقسيم، ولماذا كل علم بها يتناول أجناسه البلاغية الخاصة به، وهذا أمر لا يتحقق إلا بالاستفاضة في الحديث عن كل هاتيك الأمور في مقرر خاص يسبقها ويشرحها ويقدمها قبل أن يغوص الطالب في بحرها، فيكون مقرر تاريخ البلاغة العربية مقدمة في علم البلاغة للطالب المختص باللغة العربية.
أما بشأن مفردات المقرر فتتناول بداية وضعية البلاغة قبل نزول القرآن، ثم مسارها الذي نحته بعد نزوله، وبعد ذلك يتم جدولة المفردات وفق تتبع أرباب البلاغة ابتداء من أبي عبيدة وانتهاء بالقزويني، وأيضا تخصيص مفردات تتناول علاقة البلاغة بالعلوم الأخرى التي تضافرت معها، وتشرحها وتقدمها بطريقة تناسب طلبة البكالوريوس، إلى غير ذلك من القضايا الجديرة بالإشارة إليها، حتى ينتهي المقرر بمفرداته الأخيرة في اكتمال صورة البلاغة المقسمة على علومها الثلاثة، وبعد أن تكتمل الصورة في هذا المقرر يبدأ الطالب دراسة مقررات المعاني والبيان والبديع.
وأما بشأن مراجع المقرر فمن الطبيعي أنها لن تكون كتب الأرباب؛ لأن الفصل الدراسي لا يكفي لعرضها كلها كاملة من جهة، ولأنها لما فوق طلبة البكالوريوس من جهة أخرى، لكني أحث أثناء شرح كل كتاب من كتب أرباب البلاغة وفق التتبع التاريخي كما أشرت أعلاه في مفردات المقرر، أن يقرر على الطلبة مقدمة الكتاب، وقراءتها وشرحها في المحاضرة؛ لأن منهجية أمهات الكتب والتعرف عليها يصب في الغاية من مفردات المقرر، وهي عادة ما تتضح في مقدمات الكتب، أما بالنسبة للكتب المرجعية التي ترسم لطالب البكالوريوس خطاطة المادة، وتكون منارته في المقرر؛ فهي كثيرة جدا، أذكر منها على سبيل التمثيل: البلاغة تطور وتاريخ لشوقي ضيف، الموجز في تاريخ البلاغة لمازن مبارك، البلاغة العربية لعلي عشري زايد، وغيرها الكثير.
فإن بالطريقة التي نحن عليها اليوم أصبح لواء اللغة العربية يقرون بقرارة أنفسهم أن البلاغة العربية بلاغة مدرسية جافة، بل حتى الذين يكملون الدراسات العليا من الصعب عليهم تكسير هذه النمطية الفكرية لاحقا؛ لأن فكرهم تقولب عليها بادئ ذي بدء، أما إذا ما تمت طريقة التعليم منذ البداية بطريقة سليمة، فإن سيادة فكرة البلاغة الدراسية ستتكسر، وستكون المخرجات تفكر بطريقة جديدة؛ لأنه تم تمهيد العقل منذ البداية بالحقيقة التاريخية الواقعية.
وفي نهاية هذه المقالة أؤكد على ضرورة تدشين مقرر» تاريخ البلاغة العربية»؛ لأهميته التي ذكرتها، وأرجو أن ينظر للاقتراح بعين الاعتبار.
** **
- سراب الصبيح
sarabalwibari@gamil.com