د. عبدالحق عزوزي
تمكنت المستشارة الألمانية أنجيلا ميركل منذ أيام من إنقاذ تحالفها الهش الحاكم في ألمانيا الذي كان يترنّح، إثر فضيحة نجمت عن تحالف انتخابي بين نواب ينتمون إلى حزبها المحافظ وآخرين من اليمين المتطرف. وبدأت المستشارة بتطهير حزبها عبر إقالة عضو في الحكومة ثم فرض استقالة فورية على رئيس مقاطعة تورينغن (وسط) التي شهدت الزلزال السياسي هذا الأسبوع، مع المطالبة بانتخابات إقليمية جديدة. وبدأت المستشارة رد فعلها بأن فصلت بحزم من حكومتها عضو الحكومة وحزبها كريستيان هيرتي، الذي عبر في تغريدة عن ارتياحه لانتخاب مسؤول في مقاطعة تورينغن خلال الأسبوع الجاري، بفضل تحالف أصوات الاتحاد الديمقراطي المسيحي الذي تقوده ميركل وحزب البديل من أجل ألمانيا اليميني القومي المتطرف. وفي ألمانيا أعلنت الحكومة منذ أيام أيضاً عن تفكيك خلية من اليمين المتطرف كانت تخطط لاستهداف تجمعات للمسلمين في المساجد في ألمانيا، خلية أرادت أن تقوم باعتداءات شبيهة بما حصل في كرايستشيرش في نيوزيلندا. وأكد المتحدث باسم وزارة الداخلية بيورن غرونيفيلدر خلال مؤتمر صحفي في برلين «ما تم الكشف عنه مرعب، (من المخيف) رؤية مجموعة تتجه بوضوح نحو التطرف بهذه السرعة». مضيفاً «المهم أن تتم حماية أماكن العبادة». كما أشار شتيفان سايبرت المتحدث باسم المستشارة الألمانية أنجيلا ميركل إلى أن «مهمة الدولة هي ضمان ممارسة الإيمان بحرية في هذا البلد من دون خطر ومن دون تهديد»، مؤكداً «حق أي شخص يريد ممارسة ديانته في ألمانيا أن يفعل ذلك بدون تهديد وبدون التعرض لخطر».
فما وراء هاته الوقائع مجتمعة، يطرح مشكل استقرار المسلمين بشكل دائم في المجتمع الألماني والأوربي تساؤلات لا منتهية وحوارات عقيمة عن مدى قابلية تعايش الإسلام مع الديمقراطيات الأوربية، وفي الأشهر الأخيرة أثير جدل كبير عن هاته الثنائية وحمل لواءها العديد من الأحزاب اليمينية المتشددة في أوربا.
ماذا وقع بالضبط لتزداد نسبة معاداة الإسلام في ألمانيا بشكل كبير؟ ولماذا يعتبر الأوربيون الإسلام تهديداً أكثر من أي وقت مضى؟ في مقال للفيلسوف الكبير يورغن هابرماس، الذي يمثِّل بحق الانتلجنسيا الأوربية الحالية النقدية التي ما زالت ترفع أصبع الاتهام ضد الشر والبؤس، نشرته له جريدة أمريكية، حاول إعطاء جواب مقنع لهاته التساؤلات بعيداً عن القراءات السطحية والمغرضة التي تصدر في بعض الأحيان عن مفكرين أوربيين ذوي قناعات حزبية وسياسية تؤثِّر في الأخير على فهم الأمور، بل وعلى مجرى الأحداث، لأن السياسيين غالباً ما يعتمدون على تحاليلهم ودراساتهم لتكون لهم عوناً ونصيراً في تعليل سياساتهم المتعلقة بالأجانب.
أشار الفيلسوف الألماني إلى أن العامل الانتخابي وضرورة حشد عدد أكبر من أصوات الناخبين هو السبب الذي جعل الجسم المجتمعي الألماني مريضاً بالصور النمطية عن الإسلام والمسلمين، وهو الذي يغذِّي في عقول الألمان مقولة وجود الهوية والثقافة الوطنية في خطر أو ما يشار إليه بالهوية المرجعية، وهاته الهوية يشعل فتيلها سياسيو الأحزاب كلما دعت الضرورة إلى ذلك على قبيل ما وقع في تسعينات القرن الماضي عندما زحف آلاف المهاجرين من يوغوسلافيا السابقة وطلبوا اللجوء السياسي في البلد، مما أثار زوبعة من الاحتجاجات السياسية؛ ولكن خلافاً لما وقع في تلك الفترة، فإن السياسيين الألمان أضافوا خاصية جديدة في دفاعهم عن الهوية والمرجعية الوطنية، وهو كون ثقافة المجتمع الألماني ثقافة»يهودية - مسيحية»، ويتساءل الفيلسوف الألماني عن نسيان السياسيين الجدد لما وقع لليهود في ألمانيا!
لا يمكن تجاهل التراكمات التاريخية المغذية للمشاعر الوطنية والتي تتجاوز حدود ألمانيا لتشمل جل الدول الأوربية، ولكن الذي بدأ يقع في ألمانيا هو وصول صفوة من الحكام إلى كراسي أخذ القرار دون أن يكون لهم باع في السياسة أو تجربة تاريخية تجعلهم يفرقون بين الدعايات الحزبية السياسوية وما يجب أخذه من قرار للمحافظة على توازن المجتمع داخل الدولة ...
إن معاداة الإسلام في ألمانيا وفي جل الدول الأوروبية مرده اليوم إلى الخطابات السياسية الحالية وإلى بعض الأحزاب التي تعتمد على مرجعيات فكرية هي أيضاً سياسوية، والأدهى من ذلك أن حكاماً جدد دون تجربة سياسية وفي حاجة إلى تأييد شعبي وجدوا في معاداة الإسلام والمسلمين تجارة رابحة ومخزوناً انتخابياً لا ينفد.