أبو عبدالرحمن ابن عقيل الظاهري
قال أبو عبدالرحمن: إنما كان العود أحمد؛ لأن مادة عرب ذات خصب معنوي، وكانت العرب في اللغات السامية يوم كانت لغة واحدة: تعني البادية بكل معانيها، وكانت صحاريهم عربة وعربة، وكان الفعل (عرب): يعني الذهاب في البادية، وفي الصحراء؛ والصحراء في الغالب جفافٌ وجدب وحريق شمس؛ فأخذ العبريون من ذلك معنى الفساد؛ وكانت العرب تعني أي بدوي من أي جنس؛ ثم جاءت الفصحى واستقرت على معان استبقتها، ومعان خصصتها، ومعان استحدثتها بالاشتقاق؛ فاستبقت معنى الفساد، وولدت منه معاني بالاشتقاق، وخصصت معنى العرب لشعوب معينة؛ سامية ورثت منازلها في الجزيرة العربية: كـ(عاد)، و(ثمود)، و(طسم)، و(جديس)، وجعلت العرب شاملة البادية والحاضرة، وخصت البادية بالأعراب؛ وإذا أطلقوا كلمة عرب: لم ينصرف إطلاقهم إلى غير بني (عدنان)، و(قحطان)؛ لأنهم عرب الجزيرة (؛مهد اللغة العربية)؛ وعرب استقرار الفصحى؛ وإذا قيدوا قالوا: (عربٌ عاربةٌ)؛ فهم يريدون خلوص بداوتهم وأوليتهم فيها؛ وأولئك هم العرب البائدة من الشعوب السامية في جزيرة العرب؛ وإذا قيل: (عربٌ متعربةٌ): فهم يعلمون أن المراد لحاقهم بالبادية، ويعنون أيضاً استفادتهم اللغة العربية من العرب البائدة؛ وأولئك هم أحفاد (إسماعيل) عليه السلام ( بنو عدنان، وبنو قحطان)؛ وأولئك هم العرب الباقية.. وإذا قيل: (العرب المستعربة): فلها معنيان: أحدهما بمعنى المتعربة، وينطبق ذلك على العرب الباقية؛ وثانيهما المستعربون لغة وليسوا من العرب؛ وهذا بالطبع لا يطلق على العرب الباقية، وينطبق على من كانت لغته لأصل لغة العرب وإن لم يكونوا من عرق العرب (وفي جفاء وجفاف المتعصبين تعصباً على إخوانهم: فإنهم يصفونهم بأنهم (خضيريةٌ)؛ ولا أستبعد أن يكون مثل هذا المصطلح ضد المسلمين من غير العرب في غير جزيرة العرب)؛ وكل تقسيم بغير هذا المعنى لا يصح كقولهم: (العرب العاربة (بنو قحطان)، والعرب المستعربة (بنو عدنان) !!).. واستحدثت بالاشتقاق معان من واقع البادية، وواقع العرب، وواقع اللغة العربية، ومن الاشتقاق ما هو مباشر، ومنه ذو وسائط؛ ولم يأت الشرع باصطلاح جديد للعرب؛ بل ورد النص بالعرب كما هو في مفهوم العرب وقت التنزيل، وقبله منذ استقرت الفصحى.
قال أبو عبدالرحمن: استقرت الفصحى في جزيرة العرب حال كون أهل الجزيرة (من العرب والأعراب) هم بني (قحطان)، أو (عدنان)؛ فتخصص عموم بوادي الأمم الذين يسمون عرباً بأبناء (قحطان)، أو (عدنان)، وبقيت العربية شاملة للغة أولئك الأقوام؛ وإنما تميّزت لغة (قحطان) و(عدنان) بقيد الفصحى، وما تفرّدت به قبيلةٌ أو قبائل من (قحطان)، و(عدنان): خصص بإضافة اللهجة إليهم، وتوسعوا بإطلاقات تتعلّق بالعرب، أو بلغتهم؛ فالخيول العربية تتمتع بالأصالة، وخيل العرب تُسمى عراباً؛ فأخذوا من ذلك إجراء الفرس (أي جعلها تمشي؛ وهذا هو معنى الإجراء)؛ فهو إعرابها؛ وأخذوا معنى الإعراب؛ وهو معرفة الهجين والأصيل العرابي من الخيل، وسموا نوعاً من الشعير عربياً؛ فذلك نسبة إلى العرب بلا ريب.. وقالوا: أعرب: يعنون إذا أنجب ولداً عربي اللون، والعراب بفتح العين المهملة على وزن سحاب للشجر المعروف منسوبٌ إلى العرب بوجه ما، ومثل ذلك تماماً العربات وهي السفن، والعربية في عرف العامية؛ وهي صناديق تسحب على عجلات، ومن العرب الذين هم البادية اشتق اسم الصحراء التي يسكنونها، وإلى لقاء قريب إن شاء الله تعالى، والله المستعان.