د. شمويل احمد يوسف
إن ربع الشباب تقريباً أصبحوا مرتبطين بهواتفهم الذكية ارتباطاً شديداً لدرجة الإدمان، لذلك أجرى أطباء فرنسيون دراسة في كلية لندن الملكية (King›s College London)، جاء في الدراسة أن المقصود بالإدمان هو أن يصاب الشخص بالقلق الشديد والانزعاج إذا مُنع من استخدام الهواتف الذكية. كما لوحظ أن الشباب لا يستطيعون التحكم بمقدار الوقت الذي يقضونه على الهاتف. وقد حذرت هذه الدراسة من أن مثل هذا الإدمان له عواقب وخيمة على الصحة العقلية، حيث إن بحثًا علميًا نُشر في مجلة الطب النفسي (BMC Psychiatry)، واحتوى هذا البحث على خلاصة 41 دراسة شملت 42000 شاب وشابة لفحص مشكلات استخدام الهاتف الذكي لديهم، وخرج هذا البحث بأن 23 % من هؤلاء الشباب والشابات لديهم سلوك مشابه لسلوك الإدمان، مثل القلق الشديد عند عدم القدرة على استخدام الهواتف، وعجز هؤلاء الشباب والشابات عن تخفيف وقت استخدام الهواتف لدرجة أن طول وقت استخدام الهاتف يؤدي إلى عرقلة إنجازهم لنشاطاتهم ومهامهم الأخرى.
في وقتنا الحالي أصبح هناك اعتراف واسع بمشكلة إدمان الهواتف الذكية، بل إن كثيراً من الناس صاروا يقترحون تحديد يوم كيوم الجمعة ليصبح يوماً خالياً من استخدام الهواتف، كما أن نصف الآباء يريدون أن تكون الهواتف محظورة بالمدارس. وتقول الدراسة أيضاً إن مثل هذا السلوك الذي يسبب الإدمان قد يكون مرتبطاً بمشكلات أخرى مثل: الإجهاد، والاكتئاب، وقلة النوم، وانخفاض مستوى التحصيل العلمي بالمدرسة. يقول «نيكولا كالك» وهو أحد مؤلفي هذه الدراسة من معهد الطب النفسي وعلم النفس وعلم الأعصاب في كلية لندن الملكية: «لقد صُنعت الهواتف لتبقى، لذلك نحن بأمسّ الحاجة لفهم مدى انتشار مشكلات استخدام الهواتف الذكية».
وقال الدكتور كالك: «لا نعرف ما إذا كان الهاتف نفسه يسبب الإدمان أو التطبيقات التي يستخدمها الناس»، ومع جميع ذلك هناك حاجة للتوعية العامة حول استخدام الهواتف الذكية خصوصاً من قبل الشباب والأطفال، ويجب أن يكون الآباء على دراية بالوقت الذي يقضيه أطفالهم على هواتفهم»
وحذرت المؤلفة المشاركة في هذه الدراسة سامانثا سون من أن الإدمان يمكن أن يكون له عواقب وخيمة على الصحة العقلية والأداء اليومي للفرد لذلك هناك حاجة للبحوث التي تخص مشكلات استخدام الهاتف الذكي، ولكن زميلتها في البحث إيمي أوربن في المجلس الطبي للبحوث - وحدة الإدراك وعلوم الدماغ بجامعة كامبريدج حذرت من احتمال وجود علاقة بين استخدام الهاتف الذكي والاكتئاب، وقالت أيضاً: إن تأثير الهواتف الذكية ليس ذا اتجاه واحد، حيث أنه ليس فقط الهواتف الذكية هي التي تحدد مقدار استخدام الشباب والشابات لهواتفهم بل إن المزاج وحالة الشخص لها أيضاً تأثير على مقدار استخدامه للهواتف الذكية.
قد تكون الهواتف المحمولة وسيلة سهلة لإشغال الأطفال أو إبقائهم مشغولين، ولكن قد يترتب على استخدامها آثار سلبية، مثل:
1- الأورام (السرطانات)
هناك العديد من الأبحاث المستفيضة في مجال فهم تأثيرات إشعاع الهاتف الخلوي على الأطفال. نظراً لأن الأطفال لا يزالون في مرحلة نمو وتمر أجسامهم بتغيرات في هذه الفترة، فإن تأثيرات إشعاع الهاتف قد تكون أشد عليهم عن تلك الموجودة لدى البالغين.
أظهرت الدراسة بأن الأطفال الذين لديهم ميل لاستخدام الهواتف لفترات طويلة من الزمن، وإبقائها بالقرب من آذانهم تكون فرصة تطور الأورام غير الخبيثة لديهم أكبر، وخاصة في مناطق الأذن والدماغ، بسبب أن العظام والأنسجة والأغشية الواقية للأعضاء مثل الدماغ، لا تزال رقيقة للغاية في الأطفال. وهذا يؤدي إلى امتصاص ما يزيد عن 60 % من الإشعاعات المنبعثة من الهواتف المحمولة.
يمكن أن يكون للإشعاع آثار غريبة على جسم الإنسان، مما يؤثر في بعض الأحيان بشكل مباشر على الجهاز العصبي. وقد صنفت منظمة الصحة العالمية أن هذا الإشعاع من مسببات السرطان المحتملة والذي بدورها تزيد من خطر الإصابة بالسرطان.
2- اضطراب نشاط الدماغ
تعمل الهواتف المحمولة في المقام الأول على الموجات الكهرومغناطيسية لجميع أشكال الاتصالات، أيضاً لدى الدماغ نبضاته الكهربائية واتصالاته التي تمر من خلال الشبكة العصبية، وموجات الهاتف يمكنها بسهولة اختراق الأجزاء الداخلية من الدماغ لدى الأطفال بحيث لا يوجد لديهم درع حماية قوي. أظهرت الأبحاث أنه بمجرد التحدث على الهاتف لمدة دقيقتين فإنها يمكن أن تكون كافية لتغيير النشاط الكهربائي داخل دماغ الطفل. وقد يتسبب هذا النشاط الخاطئ في حدوث تغييرات في أنماط المزاج والسلوك، وقد يواجه الأطفال مشكلة في تعلم أشياء جديدة أو التركيز بصورة صحيحة.
3- الأداء الأكاديمي
يحمل الكثير من الأطفال هواتف معهم إلى مدارسهم ويقضون وقتهم باللعب بالهواتف أو الانشغال بالمحادثات أثناء فترات الراحة أو حتى بوقت الحصص، مما يؤدي إلى فشل تركيز الأطفال بالدراسة مما يؤثر على تحصيلهم العلمي.
4- ارتكاب المخالفات في المرحلة الدراسية
الهواتف الذكية لا تصرف انتباه الأطفال فقط، بل قد تكون أداة لارتكاب المخالفات في الامتحانات، مثل استخدام حاسبة الهاتف في الامتحانات غير المسموح بها استخدام الحاسبة، أو تخزين الصور والمعلومات للغش بالامتحان، أو حتى تبادل المعلومات بين الطلاب عن طريق برامج دردشة الهواتف الذكية، وقد لوحظت تلك التصرفات في مدارس كثيرة، وهذا سلوك لا يؤثر فقط على الأداء الأكاديمي، ولكنه يؤدي كذلك إلى مشكلات في نمط شخصية الطفل.
5- المحتوى غير اللائق
الهاتف مثل أي أداة أخرى، بحيث يمكن استخدامه لأغراض خاطئة. ويمكن أن يصادف الأطفال رسائل أو صوراً أو نصوصاً غير مناسبة ويشاركونها مع أصدقائهم. ويمكنهم العثور على المواد الإباحية في سن مبكرة مما يسبب تغييرات في عمليات الإدراك والتفكير لديهم. وحتى تبادل الصور الخاصة بهم بشكل غير مسؤول مما قد يسبب مشكلات تؤثر على حياتهم لفترة طويلة.
6- اضطراب النوم
قد يظل الأطفال مستيقظين للتحدث مع الأصدقاء أو ممارسة الألعاب أو المراسلة عبر وسائل التواصل الاجتماعي، مما يؤدي بعد فترة من الزمن إلى التعب والقلق، مما ينعكس على مستواهم الدراسي لأنهم غير قادرين على التركيز في المدرسة. لذلك تأثير الهاتف الذكي هو مثل تأثير تساقط أحجار الدومينو.
7- مشكلات صحية
إن تمسك الأطفال بهواتفهم أثناء أوقات الفراغ يمنعهم من ممارسة النشاط البدني والحصول على الهواء النقي الذي بخارج المنزل، وهذا يعرضهم لخطر السمنة وغيرها من الأمراض، والتي يمكن أن تتحول فيما بعد إلى أمراض ضارة مثل مرض السكري ومرض ارتفاع ضغط الدم.
8- الصحة العقلية
قد يواجه الطفل في مواقع التواصل الاجتماعي بعض المتنمرين الذين قد يضايقونه ويتنمرون عليه مما يسبب له مشكلات نفسية، وقد يخبر الطفل من حوله بما حصل له بعد مدة الزمن عندما يكون الضرر العقلي قد حدث بالفعل. أيضاً عندما لا يلقى الطفل الاهتمام الذي يتوقعه من مواقع التواصل الاجتماعي قد يؤدي ذلك إلى تحفيز القلق والاكتئاب.
نصائح لتقليل مخاطر الهاتف الذكي
من المهم للغاية اتخاذ التدابير الصحيحة لضمان سلامة الأطفال من الهواتف الذكية أثناء فترة النمو.
- تجنب أعطاء الهواتف المحمولة للأطفال الذين تقل أعمارهم عن 16 عامًا. بسبب عدم اكتمال نمو عظام الجمجمة والأغشية الواقية مما يجعلها عرضة أكثر لإشعاعات الهاتف.
- عندما يتحدث طفلك على الهاتف، اجعله يستخدم سماعة رأس سلكية بدلاً من تثبيت الهاتف على الأذن.
- أثناء السفر، تجنب أعطاء طفلك باستمرار جهاز الهاتف المحمول. لأن الهيكل المعدني للسيارة يقوم بحظر الإشارات، مما يؤدي إلى زيادة قدرة الهاتف على التقاط هذه الإشارات بزيادة إشعاع الهاتف.
- لا تدع طفلك يستخدم الهاتف المحمول في المناطق التي تكون فيها قوة الإشارة ضعيفة. في مثل هذه الحالات تزيد الهواتف المحمولة من إشعاعاتها للحصول على قوة إشارة جيدة والتي يمكن أن تكون ضارة بالطفل.
- يجب على أولياء أمور الأطفال تحديد أوقات استخدامهم للهواتف ومنع استخدام الهواتف عندما يكونون حول أطفالهم. ليس الهدف هو تجنب الإشعاع بل لتكوين الشخصية الاجتماعية لدى الأطفال.
- يُنصح بتوخي الحذر الشديد إذا كان هناك برج للهاتف المحمول قريب من المنزل أو مدرسة الطفل، لأن هذا يعرض الطفل للإشعاع.
- من المؤكد عدم حاجة الأطفال لأخذ الهواتف الذكية إلى المدرسة. وعليه احتفظ برقم اتصال المدرسة لديك لحالة الطوارئ.
- حافظ على الهواتف المحمولة في مكان آمن وبعيدًا عن أنظار أطفالك في الليل. لأنه قد يحاول الأطفال بهدوء أخذها مجدداً دون أن تكتشف ذلك.
كما هو الحال مع أي تقنية أو أداة حديثة متاحة للجميع، فإن الهاتف المحمول هو سيف ذو حدين، فالتطور التكنولوجي الحاصل بالهاتف الذكي هائل جداً وهو أداة تعليمية رائعة جداً. لذلك، فإن الاعتدال وتحديد ساعات الاستخدام يضمن رفاهية الأطفال ويغرس العادات السلوكية الجيدة فيهم.
** **
أستاذ واستشاري الأحياء الدقيقة الطبية - قسم علوم المختبرات الطبية, جامعة الأمير سطام بن عبدالعزيز