د. خيرية السقاف
امتدت المسارات وتشابكت، اتسعت وأفسحت..
حيث شبكة الطرق فردت أذرعتها لتجعل زوايا الاتجاهات متقاطعة، واضحة،
ما جعل المسافات مختصرة، ومكَّن السُّراة من بلوغ مواقعهم بسهولة، حيث زوِّدت بشروحات نحو الاتجاهات، وبتفاصيل ليس باتجاهات المدن، والمحافظات وحدها، بل بأسماء الشوارع داخلها، بعيدها، وقريبها..
ولنا في واقع مدينة كالرياض على سبيل المثال في أمر شبكة الطرق فيها خير دليل،
فتطوير هذه الشبكة فيها قائم على ساق اجتهاد، وبناء، وتأسيس، بين ترميم قائم، و إنشاء جديد، وتصحيح مسار، وتوسيع شارع، وممر، ونفق، ومنعطف، ومخرج طوارئ، ليسهل حركة سير العربات، والحافلات، والشاحنات حيث تتجه، وحيث يكون المسار للمشاة، أو للفئات الخاصة، أو لمركبات الشحن، وحتى مخارج الطوارئ.. في الأحياء كلها ومدن المحافظة، والإقليم..
لذا فالإنسان في ضوء صناعة الوسائل، وتخطيط المسارات كان ينبغي أن يتمكن من القيادة، ومن ثقافة السير راجلاً وراكباً، ومن أخلاق التعامل مع الطريق، بقوانين السير، وقواعد المرور، وبنظام العقوبات من لحظة خروجه من منزله، إلى لحظة إيابه إليه..
فالشارع نزُل، والذين ينزلون معه فيه، راكبين أو راجلين هم في مكنون كل هذا، فإن كان يتقن القيادة فإنها لا يكفي دون وعي بما عليه من تفاصيل السلوك في المسار..
نعلم بأن هناك معلومات عامة معلنة في هذا، ومراجع معروفة، ووسائل بين أيدي الناس، وقوانين عقوبة للمتجاوزين، لكن لا تزال الثقافة بكل ذلك، والإلمام بالتفاصيل الضامنة تنفيذ الفرد لما له، وما عليه خارج بيته، على أي المسارات والاتجاهات، وبأي وسيلة من وسائل النقل، وعن أي درب فيها قاصرة، قاصرة جدا..
فلا يزال المسرع المارق، والمتخطي المسار إلى غيره بين العربات بسرعات فائقة، والوقوف اقتراباً غير آمن من العربات عند الوقوف، ورفع مكبرات المذياع في العربات، وقطع الشارع عرضاً من قبل المشاة، و...و.. بأي سلوك لا ينم عن تمكين الضوابط السلوكية لدى الأفراد جميعهم بلا استثناء، وجعل النظام ثقافة، وأخلاقاً، ووعياً، وسلوكا..
إن تجميل المدن بشبكة نقل باهرة ومتطورة، يحتاج إلى أن يبدأ الجمال من الإنسان ذاته، هذا الذي أول ما يحمل في يده وهو يغادر منزله مفاتيح مركبته، فهل يكفيه أن يديرها وينطلق؟ في وقت وجود ضرورة أخرى تعادل إتقانه السياقة، هي إتقانه التعامل مع الأرض التي تنطلق فوقها مركبته، والبشر الذين يشاركونه السير فوقها!..