د. سامي حسين الحجار
اجتاح فيروس كورونا المستجد (COVID-19) معظم المقاطعات الصينية، بدءاً من مدينة ووهان (Wuhan) عاصمة مقاطعة هوبي (Hubei) مسبباً حالات التهابات رئوية متعددة ومتفاوتة الشدة، حيث تم التأكد من عشرات الآلاف من الإصابات (وهي في تزايد يومي) وبلغت نسبة الوفيات 2% من المصابين.
ومن الملاحظ أن الرجال هم أكثر إصابة من النساء، حيث يبلغ متوسط عمر المرضى بين 45 و 56 عاماً وتكون الإصابة أكثر شدَّةً عند كبار السن، وعند الأشخاص المصابين بأمراض مزمنة، أما ألأطفال فعدد اللإصابات المسجلة قليل ولا يعانون من المضاعفات الشديدة للفيروس.. هذا وقد تم تسجيل إصابة في طفل حديث الولادة، وليس من الواضح بعد كيف انتقل المرض إليه، سواء عن طريق الرحم، أو بعد الولادة. وقد استطاع الفيروس وبفترة قصيرة الانتشار خارج أسوار الصين من خلال أشخاصٍ أصيبوا خلال تواجدهم في الصين ومن ثم انتقلوا للعديد من الدول حاملين الفيروس مما أدى لانتشاره حول العالم مهدداً بوباء عالمي قد لا تحمد عقباه. سنحاول في هذا المقال عرض الحائق المبنية عن الفيروس ودحض الإشاعات والمغالطات المتداولة والتي تسببت بانتشار الذعر والخوف بين الناس.
دعونا في البداية نعرف بعض المصطلحات التي استعملتها منظمة الصحة العالمية لوصف الوباء والتي قد تكون غريبة على القارىء: أعلنت منظمة الصحة العالمية في 30 يناير 2020 أن خطورة فاشية فيروس كورونا المستجد قد انتقلت من معتدل إلى مرتفع الخطورة على المستوى العالمي ولم تعلن أن الفيروس أصبح جائحة عالمية.
الفرق بين الفاشية الجائحة
هو أن الفاشية تمثل وجود وباء انتشر بين الناس في منطقة جغرافية محددة.
أما الجائحة فهي تمثل الوباء الذي الذي انتشر إلى مناطق جغرافية متعددة تشمل العديد من الدول أو القارات محدثاً إصابات في أعداد كبيرة من البشر.
وباعتقادي أن منظمة الصحة العالمية تفادت الإعلان عن جائحة عالمية بسبب قلة عدد الإصابات البشرية خارج الصين، ومحدودية الانتقال بين المصابين، بالإضافة إلى الأمل باحتواء الوباء.
ما هي فيروسات الكورونا Coronaviruses
تعرف فيروسات الكورونا باللغة العربية باسم الفيروسات التاجية، نظراً لأن شكلها الخارجي يشبه التاج عند رؤيتها تحت المجهر الإلكتروني. وتنتمي هذه الفيروسات إلى عائلة الفيروسات التاجية (Coronaviridae) هذا وقد تسبب سلالات الكورونا الفيروسية أمراضاً مختلفة الشدة في كل من الطيور والثديات وكذلك البشر. وعادة السلالات نوعية بمعنى أن السلالات التي تصيب الحيوانات والثديات تنحصر بها وكذلك بالنسبة للبشر وهنالك ما يقارب من سبعة سلالات من فيروسات الكورونا التي تصيب البشر فقط مسببة لهم التهابات بسيطة في الجهاز التنفسي كنزلات البرد، أما بقيت السلالات فتصيب الطيور والثديات فقط.
أما في حال انتقال سلالات الكورونا الخاصة بالثديات أو الطيور إلى الإنسان، فالأمر مختلف حيث ينتج عنه إصابات خطيرة في الجهاز التنفسي ويصبح الأمر أكثر خطورة عندما يستطيع الفيروس ذو المنشأ الحيواني التكيف في جسم الشخص المصاب ويكتسب القدرة على الانتقال بين البشر وهنا ينتقل الوباء إلى مرحلة أكثر خطورة، حيث يصبح المصابون مصادر للعدوى ولانتشار الفيروس في مجتمعاتهم وهنا تحدث الأوبئة والجائحات العالمية.
ولقد شهد العالم حتى الآن نوعين من فيروسات الكورونا التي انتقلت من الحيوان إلى الإنسان محدثة أوبئة عالمية وهي:
1- فيروس كورونا سارس، والذي ظهر بين عامي 2002-2003م في دولة هونج كونج الصينية وسبب اللاتهابات شديدية في الجهاز التنفسي وانتشر كوباء عالمي مسجلاً معه ما عدده 8.422 إصابة بالمرض وبلغ عدد الوفيات 912 حالة وفاة، وقد كان مصدر الفيروس هو الخفافيش أم الحيوان الذي قام بنقله للبشر فهي قطط الزباد التي كانت تربى في المنازل الصينية.
2- فيروس كورونا المتسبب لمتلازمة الجهاز التنفسي الشرق أوسطي، وقد ظهر الفيروس في عام 2014م، بالمملكة العربية السعودية وسجلت إصابات في الجهاز التنفسي حول العالم وكان أكثر شدة عند كبار السن والمصابين بأمراض مزمنة مسجلاً معه ما عدده 2.506 إصابة بالمرض وبلغ عدد الوفيات 862 حالة وفاة.. أما مصدر الفيروس فيعتقد أنه الخفافيش وتلعب الإبل دوراً في نقله إلى البشر.
فيروس كورونا 2019 المستجد
- سمي الفيروس بالمستجد لكونه غير معروف في السابق.
- تم تسجيل الإصابات الأولى من الفيروس على شكل التهابات رئوية حادة عند أشخاص زاروا سوقاً للأسماك والحيوانات الحية وذلك في الأسبوع الثاني من شهر ديسمبر 2019م، بمدينة ووهان عاصمة مقاطعة هوبي الصينية. وقد تمكن العلماء الصينين من التعرف على الفيروس عن طريق دراسة التسلسل الجيني للفيروس، وتطابقه مع فيروسات كورونا أخرى معروفة، تم التأكد أن الفيروس مستجد، وأن هناك تشابه في التسلسل الجيني بينه وبين فيروس كورونا تشبه السارس بنسبة 79.5%.. وفيروسات الكورونا في الخفافيش بنسبة 96% كما أظهرت دراسة حديثة نشرت في مجلة Nature تطابق سلالة فيروس: ذلك مع كورونا المستجد مع سلالة فيروسات عزلت من الحيوان آكل النمل الحرشفي بنسبة 99%.
- النظرية الحالية: مصدر الفيروس الخفافيش وأن حيوان آكل النمل الوسيط الناقل للإنسان ولكن طريقة النقل ما زالت غير معروفة.
- وتجدر الإشارة إلى أن الخفافيش، التي تضم أكثر من ألف و300 نوع هي الخزان الطبيعي لفيروسات الكورونا وليس بالغريب أن يظهر علينا فيروس كورونا جديد كل بضع سنوات.
كيف ينتقل الفيروس إلى البشر وما هي أعراضه؟
- ينتشر هذا الفيروس من خلال الاختلاط الوثيق بالمرضى المُصابين بالتهابات الجهاز التنفسي عند ظهور الأعراض وذلك عن طريق إما استنشاق التنفسية للشخص المصاب عند سعاله أو عطاسه أو بملامسته هذه المفرزات المحملة بالفيروس على الأسطح ومن ثم حك الأنف أو العين. ويمكن للشخص المصاب نقل الفيروس إلى 2-3 من المخالطين في محيطه في حال عدم تقيده بآداب السعال والعطاس.
- ولا يزال البحث جارياً للتأكد من احتمال أن المصاب قد ينقل العدوى قبل ظهور الأعراض (تم تسجيل بعض الحالات في ألمانيا).
- تمتد فترة حضانة الفيروس (الفترة الممتدة من التعرض للفيروس وظهور الأعراض)، من حوالي 2 - 14 يومًا من التقاط الأشخاص للعدوى.
- وأكثر أعراض الإصابة تتمثل بحدوث حمى (90%) السعال الجاف (80%)، ضيقٍ في النفس في 20%، مع ضائقة تنفسية في (15%) ضيق التنفس (20%) بالإضافة للضعف العام وتظهر الأشعة وجود التهاب رئوي.
- من الملاحظ أن أكثر الأشخاص المصابين وخاصة بالنسبة للالتهابات الرئوية الشديدة هم الأشخاص ذوي الجهاز المناعي الضعيف، والمسنين، والأشخاص المصابين بأمراض مزمنة، مثل السرطان وداء السكري وأمراض الرئة والقلب المزمنة.
كيف يمكن التيقن من إصابة الشخص بفيروس كورونا 2019 المستجد..؟
- يتم تأكيد الإصابات عن طريق الكشف عن الحمض النووي الخاص بالفيروس في العينات المأخوذة من مفرزاته التنفسية.
هل يوجد لقاح أو علاج نوعي للفيروس..؟
- لا يوجد حالياً أي لقاح ولا أي علاج محدد كون الفيروس حديث الاكتشاف.. والعلاج المتاح هو علاج داعم ويعتمد على حالة المريض السريرية وقد ساعد ذلك في شفاء العديد من المصابين. وتشير العديد من الدراسات والتي تم نشرها في عدة مجلات علمية موثقة مثل لانست ونيوانجلد وجاما عن فعالية بعض الأدوية التي كانت قد استعملت في علاج فيروسات الكورونا (نوع سارس) ونقص المناعة المكتسب في تخفيف مضاعفات المصابين بالتهابات رئوية شديدة. يشار إلى أن هناك العديد من الأبحاث المتسارعة حول العالم بهدف إيجاد دواء نوعي ولقاح فعال.
المغالطات الشائعة والتصحيح
- لا يشكل استلام الطرود من الصين لخطر الإصابة بفيروس كورونا المستجد نظراً لأن الفيروس لا يعيش لفترة طويلة على الأشياء كالرسائل والطرود.
- لا توجد أية دلائل في وقتنا الحاضر أن القطط والكلاب الأليفة والتي تربي في المنازل تقوم بنقل الفيروس.
- لا يساعد غسل الأنف أو الغرغرة بغسول الفم والمطهرات بالوقاية من عدوى الفيروس.
- لا توجد دلائل على تناول الثوم ومشروبات الأعشاب على الرغم من فوائدها العديدة بالوقاية من عدوى الفيروس.
- لا يقضي زيت السمسم على الفيروس في حال دهن الجسم به وكذلك لا يمنع دخوله إلى الجسم.
النصائح للمسافرين
- لا يوجد في وقتنا الحاضر أية قيود على السفر أو حركة المرور الدولي.. وعلى المسافرين مراعاة الأمور التالية:
1- ينصح بتأجيل السفر إلى أماكن انتشار المرض في المقاطعات الصينية في وقتنا الحاضر والالتزام بإرشادات منظمة الصحة العالمية المتجددة بطرق الوقاية في السفر.
2- تجنب مخالطة المصابين بالتهابات تنفسية وخاصة ممن زاروا الصين حديثاً.
3- ينبغي على المسافرين المصابين بالتهابات حادة في الجهاز التنفسي التقيد بآداب السعال والعطاس (الحرص على تغطية الفم والأنف بمرفقك المثني أو بمنديل ورقي والتخلص من المنديل فوراً بعد استعماله في حاوية النفايات مع غسل اليدين فوراً أو تطهيرها بالمعقم السائل).
4- عند زيارة أسواق المنتجات الحية (كالدواجن والماشية) وذلك في المناطق التي تشهد حالات عدوى بفيروس كورونا الجديد تجنب اللمس المباشر للحيوانات الحية والأسطح التي تلامس تلك الحيوانات.
هل تم تسجيل حالات للفيروس في المملكة العربية السعودية..؟
- لا لم تسجل أية حالات لفيروس كورونا المستجد في المملكة ولله الحمد، ولقد حرصت وزارة الصحة بالتعاون مع المركز الوطني للوقاية من الأمراض ومكافحتها بوضع خطة متكاملة في الإجراءات الصحية والرصد الوبائي وتدريب الكوادر الطبية للحيلولة من عدم وصول الوباء وكيفية التعامل مع حالات الاشتباه بالإصابة.
** **
استشاري الأمراض المعدية والفيروسية - مستشفى الملك فيصل التخصصي ومركز الأبحاث