د. محمد عبدالله الخازم
عطفاً على مقالي «فروع الجامعات الأجنبية: رسالة ماجستير» المنشور في 2 فبراير 2020م، اقترح أحد الزملاء إعادة طرح فكرة المدينة التعليمية السعودية للتعليم العالي الأجنبي، وتلبية لطلبه يأتي هذا المقال، مع مقدمات الفكرة. المملكة عضو في منظمة التجارة العالمية واهتمامنا بالاستثمار الأجنبي كبير وكانت الفرصة الذهبية حين أسسنا جامعات جديدة بأن تكون عبر شراكات دولية، ولكن لم يحدث، ربما للقناعات المتعلِّقة بالتعليم الأجنبي حينها أو لأسباب أخرى. الجامعات الأهلية والخاصة التي عوّلنا عليها في هذا الجانب، اتجهت نحو تقليد النماذج المحلية والانكفاء على ذاتها بحثاً عن الأرباح السريعة. كانت هناك محاولة فيما عرف بكليات التميز التقنية وفكرتها المتمثلة في إحضار كليات أجنبية تقنية لإدارة كليات تقنية سعودية. التجربة يبدو أنها تمت على عجل، وواجهت وما زالت عدة صعوبات قادت لانسحاب الكليات الأجنبية بسبب عدم وضوح الرؤية وغياب التشريعات المناسبة لذلك. عموماً، هي تجربة تفتقد الشفافية وأرجو أن يكون هناك تقييم واضح لها..
على أرض الواقع سيبدو من الصعوبة بمكان استقطاب فروع جامعات أجنبية متميزة وفق مفهوم الاستثمار الأجنبي، حيث العائد الاقتصادي والبيئة الثقافية والتنظيمية لا تحفِّز على ذلك، في الوقت الراهن. هذا ما أدركته العديد من الدول التي قامت بتأسيس ما يُعرف بالتجمعات التعليمية (International Education Hubs) على غرار المدن الصناعية والمدن الاقتصادية والأحياء المالية والمدن المعرفية، حيث يوفر ذلك البنية التحتية والدعم للجامعات الأجنبية وفروعها. هذا النموذج نلحظه في دول عديدة؛ مدينة دبي الأكاديمية العالمية والقرية المعرفية، مدينة التعليم العالي في البحرين، بيت المدارس العالمي في سنغافورة، مدينة كوالمبور التعليمية، المجمع التعليمي الإقليمي في هونك كونق ... إلخ.
رغم اختلاف التجارب - أعلاه- في التفاصيل إلا أن الأهداف الرئيسة هي خلق التنافس وتخريج قوى عاملة مؤهلة تأهيلاً عالياً. إضافة للاستثمار الأجنبي والتحول إلى مركز للطلاب الأجانب. على سبيل المثال في الدول المحيطة نجد الإمارات لديها فروع 31 جامعة، هونك كونق لديها 5 فروع، ماليزيا لديها 12 فرعاً، سنغافورة لديها 12 فرعاً. استقطاب الجامعات الأجنبية يتجاوز مجرد تعليم المواطنين إلى استقطاب الطلاب الأجانب.
هدفنا يجب أن يكون رفع قيمة التنافسية العلمية للجامعات السعودية، ونقل وتوليد المعرفة وتطوير السياسات وزيادة الاستثمار التعليمي المحلي والأجنبي وتقليص برامج الابتعاث واستقطاب الطلاب الأجانب وغير ذلك من المحفِّزات. هناك حاجة، أولاً، لتحسين البيئة القانونية والتنظيمية لهذا الأمر. وبناء على التجارب أعلاه، تبدو التجمعات العالمية هي الأنسب بحيث يكون لدينا المدينة التعليمية أو المعرفية العالمية، وأقترح نواتها جامعة الملك عبدلله للعلوم والتقنية، ولاحقاً يمكن تأسيس مدن أو مجمعات أخرى. جامعة الملك عبدالله ذات بعد دولي ووجود شبكة مؤسسات متقدِّمة حولها ربما يزيل بعض عزلتها ويسهم في تطويرها!
وليطمئن المعارض للتعليم الأجنبي - من مبدأ القلق الثقافي والاجتماعي- يمكن وضع الشروط التي نراها، كتدريس مقررات في اللغة والثقافة والتاريخ، وفرض نسبة سعودة في كادر التدريس ... إلخ.