م.عبدالمحسن بن عبدالله الماضي
1. إذا كان المصريون القدماء قد تركوا الأهرامات كأثر باقٍ عبر العصور، فإن الإغريق تركوا فكر الفلاسفة سقراط وأفلاطون وأرسطو الذي لا يزال البشر يعملون به، ويستنبطون منه.. فكل الحضارات التي تلت الإغريق اتبعت الفلسفة ذاتها، واعتمدتها كفكر إنساني عظيم.
2. اليونان (ورثة الإغريق العظماء) يعانون اليوم من متاعب وأزمات اقتصادية، جعلت منهم بلدًا فقيرًا متخلفًا.. فهذا البلد عانى من الإفلاس مرتين في عشر سنوات، وهم الآن عالة على الاتحاد الأوروبي.. وكنت أعجب لماذا هم مفلسون رغم وجود أعظم الآثار والطقس الجميل المشمس في أوروبا التي تعاني من قلة الشمس.. فلماذا فشلت في جذب المهتمين بالسياحة.. رغم شوق العالم كله لرؤية آثار الإغريق ومَوطن فلاسفة الإنسانية العظام.. والاستمتاع بالأجواء الجميلة في الصيف والمشمسة في الشتاء؟.. كان ذلك التساؤل دائم الحضور في ذهني حتى رأيت الإجابة رأي العين حينما زرتها هذا الشهر لأول مرة في حياتي.
3. كنتُ أعجب كيف أن مصر واليونان تمتلكان (90 %) من آثار العالم.. ومع هذا فعدد من يزورهما أقل من نصف من يزور مدينة باريس وحدها! فأين الخلل؟ أظنني وجدته.. كنت أظنها السياسة.. لكن إن صح ذلك في الحكم العسكري الذي عانت منه مصر فاليونان لم تعانِ منه.. وإن أرجعته للمؤامرة الصهيونية التي يرى العرب أنهم يعانون منها.. فإن اليونان لم تعانِ منها.. وإن أرجعته إلى التشدد الديني والإرهاب المصاحب له.. فإن اليونان لم تعانِ منه.. إذًا فما هو السبب؟!
4. لقد توصلت إلى أن السبب ربما يكون في الناس ذاتهم.. فأنت تذهب إلى المطعم فتجد (النادل) منشغلاً بجواله أكثر من خدمة العملاء.. تركب التاكسي فتجد السائق لا يجيد أية لغة أخرى.. ولا يعرف إلى أين يريد السائح الذهاب.. تذهب إلى السفارة فتطلب تأشيرة سياحية، كل دول «الشنجن» تمنحك ستة أشهر على الأقل في المرة الأولى، ثم مدد تصل إلى خمس سنوات.. إلا اليونان تمنحك تأشيرة «شنجن» مدتها (3) أشهر! تصل إلى الفندق في غير موسم سياحي وأغلب غرف الفندق فارغة.. ومع هذا يعطيك أسوأ غرفة في الفندق.. تذهب للسوق فتجد سعر البضاعة باستخدام بطاقة الائتمان أضعاف سعرها إذا كنت ستدفع نقدًا تهربًا من الضريبة.. ثم تبحث عن شيء إغريقي حقيقي تأخذه كتذكار فلا تجد سوى تماثيل لا يمكن أن تأخذها لبيتك؛ لأنها لا تناسب بيتًا أو مكتبًا.
5. التشابه الآخر هو أن كلا الشعبَيْن يحبَّان بلدَيْهما حبًّا جمًّا.. ولا يريدان أن يسمعا أي نقد أو ملاحظة تجاه بلدَيْهما.. ويريان في ذلك هجومًا غير مبرر.. ويكتفي الآخرون بعدم الزيارة مرة أخرى.. وعدم الاستثمار، ونصح الآخرين بالابتعاد عنهما.. فبالرغم من الحب الشديد لبلادهما إلا أن شعوبهما هي السلاح المدمر لكلا البلدَيْن مهما كان المبرر لهما.