هيفاء صفوق
الحب في مفهومه الخاص المجرد من الشروط والقيود هو حالة شعورية سامية نورانية أينما وجدت أضاءت كل شيء حولها.
تحدث عنه الكثير وتغني به العديد وفي كل كلمة كتبت له محاولة لتلتمس جزءًا من هذا الحب الكبير.
في الحب تذوب الصراعات وتخف حدة التوتر ويتجاذب كل شيء من أجل هذا النور، الكل يبحث عنه والكل يسأل كيف يكون وأن وجد في قلب أحدهم بدأ يشع كالنور.
عندما نتأمل العلاقات الإنسانية على مستوى أفراد وجماعات يختلط عليها مفهوم الحب ويلتبس عليها ماهيته وكيف يكون، تارة نشترط شروطًا معينة في الحب ابتداء من محبة أنفسنا إلى محبة كل عزيز علينا إلى محبة الآخرين والحياة مع الأسف كل تلك الشروط الوهمية ما هي إلا قيود نقيد أنفسنا فيها، لأن في الحب لا يوجد اشتراط بل هو حالة نورانية صافية لكننا فقدنا في بعض الأحيان الاتصال بها وخصوصًا في عصر اليوم الذي امتلأ بالصراعات الفكرية والنفسية والاجتماعية وعدم القدرة على التفرّد في حاجة أساسية وهي حرية الإِنسان.
نعم عندما نؤمن بحرية الفرد وحرية فكره وتوجهاته وقراراته طالما لا يؤذي الآخر، فهنا نتعلم أحد مبادئ الحب بأن نحب الطرف الآخر كما هو دون أن يكون كما نرغب نحن فقط هذه القاعدة الجميلة لو سرنا من خلالها مع أبنائنا ومع أزواجنا ومع زوجاتنا ومع أصدقائنا وزملائنا ومع الغريب عنا تخيل كيف تكون هي الحياة؟
كثير ما نتأمل تلك الأسر التي شيدت قواعدها على الحب، نجد أفرادها مفعمين بحب الحياة ومتفائلين بكل تناقضاتها ومتقبلين للمختلف عنهم أينما حلوا في مكان ابتهج وازدهر مثل الزرع إن نظرت إليه سررت وإن لمسته فرحت. فما بالنا إن تحدثنا مع أحدهم ستنتقل عدوة الحب سريعًا، عكس تلك التي ربت على الشدة وعلى التعصب والتقيد برأي واحد دائمًا يكون أفرادها ضحية ليس فقط للآخرين، بل على أنفسهم بأنهم فعلاً لم يدركوا حلاوة وجمال الحياة.
نقيس على ذلك في الصداقات التي تتخبط اليوم بشكل فوضوي وعشوائي وأصبحت مقاييسها مشروطة بشروط مادية ومصالح وقتية ومع الأسف الكل سيؤذي نفسه والكل يخسر لا أحد هنا يربح، لماذا؟ لأن الله عز وجل جعل في قلوب البشرية فطرة جميلة لا تعيش إلا في بيئة صحيحة وقبل ذلك في قلب سليم ومحب،
نجد في صداقات اليوم هيمنت عليها السلطة والقوة والتنافس وابتعدت عن الحب والدفء وأصبحت شكلاً لا روح فيها وهنا أحد أسباب تأزم الإنسان، لأنه مهما وصل إلى أي مكانة أو مال أو منصب أو صداقات كثيرة من حوله دون حب ومحبة سيجد في وقت من الأوقات ذلك الفراغ الروحي يسيطر على قلبه وسيكون في حالة تعطش للدفء المعنوي والروحي لكنه لن يجد.
كثير ما جلست في المعالجات الاستشارية سواء كانت زوجية أو أسرية أو شخصية تجد في داخلهم شيئًا يبحثون عنه، شيئًا مفقودًا لكنهم يبحثون عنه بطرق خاطئة تسيء لأنفسهم ولمن حولهم، غالبًا المشكلات الزوجية ناتجة عن عدم فهم حب الذات أولاً ومن ثم عدم فهم كيف نحب الطرف الآخر ونعبر عن هذا الحب بالغيرة أو بالتملك وكلاهما خاطئ، التعبير عن الحب لا يكون في سجن الخوف، خلف كل هذه التصرفات هو الخوف من افتقاد من نحبهم، لذا نلجأ دون وعي لأذيتهم وأذية أنفسنا، أيضًا ينطبق ذلك على أبنائنا نحن نجيد وضع القوانين داخل الأسرة في النهي والمنع منطلقين لمحبتنا لهم لكن بطريقة خاطئة، الحب بأن نحتويهم ونتحاور معهم ونسمع ماذا في داخلهم نربيهم على المحبة والاحترام احترام الإِنسان، من هنا لا مكان للخوف ولا مكان للكذب ولا مكان للفراغ الروحي والنفسي.
ولكي نفهم الحب لا بد أن ندرك معانيه العميقة ابتداء ما هي نظرتنا لأنفسنا؟ وهل نحن نحب أنفسنا من دون اشتراط؟ أم نحبها بشروط مادية وشكلية فقط! وهذا يجعلنا نعيد ترتيب داخلنا لمفهوم الحب للحب نفسه من لا يستطيع محبة ذاته لا يستطيع تقديم هذا الحب للآخر ابنًا أو زوجة أو صديقًا.
الحب لا يعني أن نستمر في علاقات مؤذية تسبب لنا الأذية، بل ربما نقطع هذه العلاقات الضارة ونفضل الابتعاد لكن في قلوبنا محبة اتجاه الآخر ليس حقدًا ولا كرهًا، وهنا يلتبس على بعض الأفراد.فالكثيرون مجبرون أنفسهم في علاقات وصداقات هي منتهية من سنوات فعليًا هذا لا يسمى حبًا، بل يدخل في عدة صور أخرى كدور الضحية أو المضطر أو الخضوع والاستسلام وربما أيضًا بداخله مشاعر غضب أو خوف وكل ذلك لا يسمى حبًا، بل احتياج وتعلق، الحب وحده يجعلنا نبتعد عن الأذية وعما لا ينفعنا مع مشاعر طيبة ومحبة للآخر، سنوضح فيما بعد أهمية التسامح لكي نصل لدرجة الحب الواعي.
إضاءة:
الحب هو الفطرة السليمة الموجودة منذ الأزل فقط علينا الاتصال بها من القلب.