عبدالوهاب الفايز
عندما انتهيت من قراءة مقال الشيخ فهد بن عبدالله آل ثاني، بعنوانٍ يحمل دلالات عميقة (قطر التي أعرف... والأخرى التي أجهل)، ونشر في جريدة الشرق الأوسط، (عدد الأربعاء 12 فبراير 2020)، قلت: ما أجمل الحكمة والعقل وسعة الأفق في الرجال، وتمنيت هذه الحلة النفيسة تجلل وتجمل وتكمل الأمير الوالد حمد بن خليفة، ولكن شاء الله وما قدر فعل، ولعله أراد الامتحان والابتلاء، والخيرة فيما يختاره.
مقال الشيخ فهد بن عبدالله أعادنا إلى أدبيات وأخلاقيات جذور الدولة في دول الخليج، وإلى الأسس التي قامت عليها العلاقة بين الأسر الحاكمة وبين الشعوب، حيث التزام القادة تحقيق مصالح الناس العليا، وفِي مقال الشيخ فهد برز بوضوح الخوف على (موروث الحكم في قطر)، فدافعه لنشر المقال لم يأت تزلفًا أو رغبة في انتقام، بل هو كما يقول (خوفًا على قطر نفسها، خوفًا على الأرض التي يرقد في بطنها أجدادنا، وعليها ولدنا وأبناؤنا، ونحمل اسمها وطموحها ومستقبلها).
هنا مربط الحكمة، ورجاحة العقل وحسن تدبر الأمور.. وهو حال قيادات المملكة التي ظلت تصبر، ثم تصبر، وتستدعي الحلم عند الغضب، وتقدم العفو عند المقدرة منذ ولادة القناة المسخ الجزيرة، التي حملت أمرًا غريبًا ظللنا نقلِّب الأمور حوله، فما نراه كان غريبًا، ثم تطور ليصبح فظيعًا، وانكشف الأمر أخيرًا: ليبدو ويتجلى شيئًا شنيعًا. إنه التآمر على وجودنا، ولَم نأخذ بالظن، ولكن كشف الله ما في النفوس، وجاء دليل التآمر والغدر والخسة بالصوت، وبالمواقف والأفعال!
ويبدو أن حال إخواننا في قطر هو حالنا، وهذا ما يؤكده الشيخ فهد في مقاله، فبلاده كما يقول متأسفًا ومتحسرًا، (تحولت قطر الوديعة القائمة على التنمية ورفاهية مواطنيها ومحبة أهلها وجيرانها، إلى شيء غريب لا نعرفه ولا ينتمي إلينا. وتحوَّلت أرضنا التي كنا نعرف أهلها ويعرفوننا إلى ساحة تمتلئ بأناس ظاهرهم الإسلام وباطنهم الكراهية، وكأنهم يتنفسون فضاءً واحدًا لا ينتمي إلى سمائنا ولا يخالط هواءنا).
نعم، وبكل أسف تحولت قطر إلى كيان جديد غريب الوجه واليد واللسان، حاكم بوجه جديد لم نألفه، ويد تبذل بسخاء في سبيل الشر، ولسانٍ إعلامي يدس السم في العسل! ومع قناة الجزيرة رأينا (دولة) بملامح جديدة لم نألفها أو نعرفها، أصبحنا نرى القناة تقتل القتيل وحمد الأمير يمشي حاملاً الجنازة، ومن ثم الأمير حمد يمول القتل والتخريب، والجزيرة بعده تذرف دموع التماسيح على القتيل، تبادل أدوار وتلاعب بالمشاعر والمصالح، وممارسات لم نعرفها في النفاق السياسي، ولكنه مع الأسف خطاب وضيع غبي، هدفه التلاعب بمشاعر البسطاء من الناس، مما جعل الجزيرة صاحبة السبق والشرف الرفيع الناجح في الإعلام الشعبوي، وفي (الخبث) الإعلامي، وفي فن إدارة النفاق السياسي، وهذا ما تعلمه نجومها من دليل المكر الإعلامي لدى الـ (بي بي سي)!
الأمر المهم الذي توقف عنده الشيخ فهد في مقاله، وكان مصدر قلقنا، هو دخول الأمير حمد وعضده وسنده القوي حمد بن جبر، ومعهما طبعًا الجزيرة، في مشروع لتفكيك الأسر الحاكمة، وهذا مشروع الصهيونية الأول الساعي إلى إضعاف العالم العربي، وحكام الخليج عندما اجتمعوا تحت مظلة مجلس التعاون كان هدفهم مصلحة شعوبهم ومصلحة الوحدة العربية، وهذا يفسر العلاقة الحميمة المكشوفة بين حمد بن جبر وبين إسرائيل التي تعود إلى بداية التسعينات الميلادية الماضية.
والشيخ فهد بحكم أنه ابن أسرة حاكمة كان يعرف تاريخ علاقة الحكومات وكيف تتدبر مصالحها المشتركة. يقول: (أما العلاقات بين الأسر الحاكمة في دول الخليج فكانت تقوم على قواعد أسرية رفيعة، فَلِلْكبيرِ احترامه مهما كانت طبيعة عمله، والثقة والتعاون بين حكامِنا كانا أساس كل عمل). الأمر المهم الآخر الذي أشار إليه الشيخ فهد، (ولن يفهمه نجوم الإعلام الشعبوي في الجزيرة)، هو حرص الناس في الخليج على وحدة الأسر الحاكمة، وما زلنا نتذكر الصدمة للوجدان الشعبي بعد انقلاب الشيخ حمد على والده.
يقول الشيخ فهد بهذا السياق: (لم يكن انقلاب الشيخ حمد على المرحوم الشيخ خليفة عملاً متوقعًا، وأحدث صدمة كبيرة في أوساط أسرة آل ثاني، إلا أن أحدًا لم يتحرك ترقبًا للمصالحة).
وهذا الخوف على سلامة المنطقة وشعوبها وعدم العبث بمصالحها المترابطة الواحدة، أكَّده الشيخ فهد في مقاله، يقول: (حينما انتشر تسجيل مكالمة القذافي مع حمد بن خليفة التي قال فيها حمد أنه يعمل على إسقاط السعودية، ظننتها من أعمال الكارهين الذين لا يريدون للخليج خيرًا، إِذ يستحيل أن يطعن الخليجي أخاه، أو يتآمر عليه؛ خصوصًا أن كان الأخ مثل المملكة العربية السعودية الحاضن الأكبر لكل الخليج، ولو أن السعودية مسَّها ضرر لكان أول الفانين قطر، مع العلم أن السعودية هي الدولة الصلبة الواثقة في كل المنطقة).
نعم، ستبقى السعودية صلبة قوية، وأيضًا الشعب القطري وأسرة آل ثاني الكبار بحلمهم وصبرهم سيبقيان سدًا منيعًا يحفظ قطر وأهلها، بالرغم من أنف قناة محور الشر.. الجزيرة، و{لِكُلِّ أجل كِتَابٌ}.