علي الخزيم
تفريعات لغة العرب لمعاني الحب قدَّمت دلالات عظيمة سَحَرَت الشعوب بجمالها ورونقها واتساع آفاقها؛ فبرهن العرب أنهم خير من يعرف للحب معنى ويؤدي حقوقه، ولم يعرف الشعر قديمه وحديثه أبلغ من أدوات الشعراء العرب، ولا أجمل من صورهم وتصوراتهم للحبيب ومرابعه وإشراقاته، ويبقى خياله بذهن الحبيب بعد رحيله بين الأطلال وبأبدع الصور الجمالية بأشعارهم، ولم يعرف عن العرب تعيين يوم للحب؛ فالوَلَه والهيام والعشق درجات من تراتيب الحب تسمو بروح العربي بكل آن ومكان، من القلب للقلب تُطوِّعه المشاعر والأحاسيس بكل المُناخات، هو عندهم مدد وجداني لا تنزعه من شغاف قلوبهم زلَّات أو عثرات عابرة.
حين يبدأ الفتى العربي باستشعار أحاسيس (الهوى)؛ فإنهم يَعُدّونه لاهياً عابثاً! فما الهوى سوى بدايات دونها مراتب لا يجتازها إلَّا من ولج بحر الحب بصفاء وصدق وعفاف عندها تتحقق له بقية الدرجات فتلتصق بشغاف قلبه، وتُذيب فؤاده لظىً وجوىً مُحَبّباً كما تعنيه العرب، فهم خير من أحب وأعرف الخلق بالوجدانيات قديماً وحديثاً، وللعرب حضارة وتاريخ موثق أخذت منه الثقافات الأخرى وتعلمت منه الكثير، وقامات سلالات العرب من الجنسين لهم تاريخ ودور مؤثر بمجتمعاتهم ـ وأكرر ـ بأن وسم الجاهلية القديم يعني ضلال بعضهم عن توحيد الله وليس جهلهم بكافة شؤون الحياة؛ فآثار حضارتهم وتراثهم الأدبي يشهد بذلك، فلماذا نتيح للواعج حبنا تتبع خطى الأجانب الذين امتهنوا الحب بيوم واحد، ونترك هذه القامات العربية الباسقة أدباً وشعراً؟!
خذ من قول قيس:
(إذا نَظَرت نحوي تَكَلَّم طرْفُها
وجاوبها طرْفِي ونحن سكوت
فواحدة منها تُبشِّر باللقاء
وأخرى لها نفسي تكاد تموت)
أو قول عنترة بعبلة:
(سَرقَ البدْرُ حسْنَها واسْتعارَت
سحرَ أجفانها ظباءُ الصَّريم)
ولولَّادة بنت المستكفي:
(سَقى اللَه أرضاً قد غدت لك منزلاً
بكلّ سكوب هاطل الوبل مغدقِ)
واقرأ للشاعر عبد المعطي الدالاتي:
(تهاجر كلُّ الحروفِ إليكِ
وتهوي إليك كرامُ المُـنى)
وتأمل قول إيليا أبو ماضي من قصيدته العيون السود:
(وَإِذا ذَكَرتُكِ هَزَّ ذِكرَكِ أَضلُعي
شَوقاً كَما هَزَّ النَسيمُ بُنودا)
ومن الإبداعات الحديثة ما نثرته اللبنانية ساره الزين بقصيدتها خذني إليك؛ ومنها:
(أشتاتُ روحي حائراتٌ إنما
حرفٌ بوصلكَ يستكين فتُجمعُ)
وللشاعرة اللبنانية أسيل سقلاوي:
(كل الرجالِ تركتهم بقصائدي
وغدوتَ وحدكَ للفؤاد كتابا)
ويطربك الشاعر السعودي إبراهيم حمدان وهو يشدو قائلاً:
(وكأنّ كلّ قصيدةٍ غزليَّةٍ
منها تُصاغ ومن هواها تنضِجُ)
أو قوله:
(إِنِّيْ أُصَبِّرُ بالتَّمَـنِّي مُهْجَتِي
وأضَمِّدُ الأَشْـواقَ بِالأَشْواقِ)
ويؤكد الشاعر السعودي فواز اللعبون رؤيته:
(الحُبُّ لولا عِفّةٌ تسمو بهِ
ما كان إلا لعنةً وعَذابا)!
لن تمل التنقل والترحال والتأمل بِنِثَار أجمل وأرق الغزل على وجه الكرة الأرضية من أهله ورواده وسابري كنهه؛ العرب بشعرهم الغزلي الطاهر العفيف فتحوا الآفاق للتباريح وصدى الوجدان، فهل بعد كل هذه الصور الجميلة نبحث عن (فلنتاين) وغيره؟!