سعيد الجابر
حين رأيت سيدي ولي العهد الأمير محمد بن سلمان بن عبدالعزيز يلتقي بورغ برينده رئيس «دافوس» الذي جاء للقاء سموّه في العاصمة الرياض. لمست الفائدة التي كانت مرجوّة من نهج المملكة الجديد في إيصال «الرسالة السعودية» للعالم. اقتصادياً، سياسياً، اجتماعياً وفي شتى المجالات. وهنا بحث سموّه فرصة شراكة قادمة بين المملكة والمنتدى العالمي وفق رؤية المملكة 2030. وبالتزامن مع رئاسة المملكة لقمة مجموعة العشرين.
نعود لـ «دافوس» وكيف كانت الرسالة السعودية قد وصلت للعالم؟ حيث يجتمع عمالقة المال والاقتصاد كل عام. كان الموقف السياسي السعودي شفّافاً للغاية، من خلال وزير الخارجية الأمير فيصل بن فرحان. حيث أكد أن المملكة منفتحة على المحادثات مع إيران. يقول الأمير «الأمر يرجع في الحقيقة إلى إيران. لكن عليها أن تقر بأنه لا يمكنها دفع أجندتها الإقليمية من خلال العنف». رمى الوزير الكرة في ملعب طهران. وعلّق على الجرس. ما تكرس له إيران من عنف لن يُجدي أمام عالمٍ يسعى للسلام والتآخي والتعايش. وفي باطن الحديث، «الرسالة السعودية» واضحة أن على الجمهورية الإيرانية التخلي عن أوراقها الثورية، وأن تتحول دولةً طبيعية مثلها مثل غيرها في المنطقة، وتمتنع عن تصدير العنف وممارسته والتكريس له عبر محاورها الطائفية التوسعية.
في ذلك المنتدى العالمي، لم يكُن الأمير عبدالعزيز بن سلمان وزير الطاقة غائباً عن المشهد. يُلاحَق الرجُل مُنذ بزوغ الفجر من قبل الصحافيين. لو قال كلمةً كان لها تأثير على أسواق النفط العالمية. ومع ذلك، وبهدوء كما عُرف عنه، قال إن المملكة لطالما كانت لاعباً «مسؤولاً» في قطاع الطاقة الدولية، وأن استضافة الرياض لقمة العشرين، بمثابة أمثلة على قدراتها المختلفة.
بواقعية قال للحضور «زوروا السعودية. المشاهدة المباشرة أفضل من التخيل. بإمكانكم الحصول على تأشيرة زيارة للمملكة العربية السعودية خلال 5 دقائق».
وفي جانبٍ آخر لنهج «الرسالة السعودية»، بل في عُقر دارهم؛ كان وزير الدولة للشؤون الخارجية، عادل الجبير، قد شدّد خلال كلمته أمام لجنة العلاقات الخارجية بالبرلمان الأوروبي، على أن المملكة «دولة ذات سيادة». وأكّد أن معلومات البرلمان الأوروبي حول السعودية «مبنية على الإشاعات».. بل استطرد قائلاً: «توقفوا عن انتقاد قضائنا. نحن دولة ذات سيادة. لسنا جمهورية موز. الحوثي أطلق على السعودي 300 صاروخ ومائة طائرة مسيرة. «من حقنا الدفاع عن بلادنا وشعبنا».
حينها شعر الأوروبيون بالخُذلان. لا يهم ذلك. المهم أن «الرسالة السعودية» وصلت، اقتحمت أروقة مصنع القرار في أوروبا بأسرها. هي المرة الأولى التي يُقال فيها للأوروبيين في عقر دارهم «تاريخكم غير مُشرِّف». في ذلك شفافية من مرآتكم في الشرق الأوسط «السعودية». وفي رواية على لسان قائد الرؤية الأمير محمد: ستكون أوروبا الشرق الأوسط. حديث الجبير قد يراه البعض جرأة. لكن جرأة صاحب حق. قال كلمته دون اكتراث. خلاصة «الرسالة السعودية» هذا نحن. من حقنا صونُ أراضينا والذود عن شعبنا. لنا ثقل يتجاوز ثقل أغلب الدول الأوروبية.
نائب وزير الدفاع السعودي الأمير خالد بن سلمان ذهب كذلك حاملاً ورقةً لمخاطبة الحكومة الأمريكية ولتهدئة الأوضاع في المنطقة. لم يغفل الرأي العام الأمريكي في ذات الوقت. خلال لقاءٍ متلفز، عرّج على مقال سبق له كتابته. في ذلك المقال مضامين هادفة. قال الأمير خالد «إن العالم لم يخلوا من الأفكار التوسعية. خلال الثلاثينات ألمانيا احتلت النمسا، وأجزاءً من تشيكوسلوفاكيا. استرضاء ألمانيا في تلك الحقبة كان النهج لحل الأزمة. عُقدت صفقة ميونيخ. لكن الأمور لم تنجح. تم غزو فرنسا وقُصفت لندن من قبل ألمانيا النازية. هذه إجراءات توسعية، نحن نراها في منطقتنا من خلال النظام الإيراني». حينها وصلت «الرسالة السعودية» من أمريكا.
في ورقة الرأي العام الأميركي التي كان يحملها، تساءل الأمير خالد بن سلمان وهو «الطيار المُقاتل» ماذا لو كان على حدود الولايات المتحدة الجنوبية ميلشيات إيرانية أطلقت صواريخ باليستية على المدن الأمريكية، بما في ذلك واشنطن. ماذا سيكون الرد؟ «الرسالة السعودية» وصلت. انتهت المهمة.
إذن، كانت هذه هي «الرسالة السعودية» من خلال متابعتي للتمثيل السعودي في «دافوس»، حيث شكّل المسؤولون حاملي تلك الأمانة الحكمة التي شربها السعوديون وتربّوا عليها، عبر فصول تاريخ مملكتهم العظيمة منذ عهد المؤسس - رحمه الله - وحتى اليوم -. والقوة، القوة، بأبناء هذه الدولة رجالاً ونساءً.
المسؤولون عادوا إلى مكاتبهم في العاصمة الرياض. الأمير والوزير. مارسوا عملهم الطبيعي. كُلٌ منهم حمل ملفه الخاص. توافقت أجنداتهم. ابتسموا داخلياً. حققنا الهدف. الجميع فهم الرسالة.
الرسالة السعودية.. وصلت وبكل اعتزاز. لم تعُد الرياض بموقع دفاع. بل بموقع هجوم. وستستمر هذه الرسالة حيناً من الدهر، وربما حتى يرث الله الأرض ومن عليها. لن تأفل أو تتخافت طالما هي بلغت هذا المستوى.