فوزية الجار الله
أعود إليكم اليوم وقد تركت خلفي بعضًا من نبض قلبي..
فقدت جزءًا عزيزًا من ذكرياتي وكياني، لم أتركه عنوة وإنما شاء العليّ القدير أن يُختطف من قلوبنا ذلك الكيان البهي الجميل الشامخ روحًا، العظيم خلقًا خلف ابتسامة شديدة التواضع وكلمات هي دائمًا الأقل والأنبل والأدلّ على نقاء الروح وخفتها ولطافة المعشر..
كان اسمه مرافقًا للقب أبي -رحمه الله-، مذ فتحت عيني والآخرون يلقبون أبي «أبا سعود» من باب التكريم والاحترام..
أضع رأسي على وسادتي، أغمض عيني، أردد أسماء الله الحسنى أردفها بابتهالات وأدعية أصعّدها خفية إلى السماء فيحضر نور طيفه بين جفني، يخاتلني، فيلهج قلبي له بكثير من الدعاء بلا توقف، هكذا كانت تلك الليالي بعد فقده الذي لم استطع استيعابه بعد..
غفرانك ربي..
هي رحمة رب العالمين التي ندركها بعد أن يهدأ طوفان القلق والأحزان..
ثمة تعب خفي يدب في جسده، ذلك التعب كان يأخذه من بيننا شيئًا فشيئًا، لا يشتكي أبدًا، نادرًا ما يفضي بما يعانيه، يصير إلى شيء من العزلة ونصير إلى كثير من القلق والشوق، لكننا رغم كل الدلائل والمؤشرات نقاوم ونتفاءل بأن شمس الغد تعدنا بالأفضل والأجمل..
يغيب فتأخذني الذكريات إلى صفحات ماضية تفيض بالصور والكلمات..
حل الغروب وقد نادى الأذان أن «حيا على الصلاة «..
تقبل أمي، تتبادل حديثًا مختلفًا متواصلاً مع أخي، هو في أوج مراهقته وأنا لم أغادر طفولتي، أخذت أمي تأمره بالصلاة وتنذره من التهاون في أدائها مهما كانت الأسباب وأنا أصغي بينهما وقد حل بيننا صمت مهيب، كان خيالي في تلك اللحظة يرسم صورًا خيالية لشيء مخيف سيحل بنا على حين غرة، سينزل من السماء إن لم نحمد الله على نعمه ولم نؤدِّ فروض الصلاة، أخذت الصورة تكبر وتتماوج في خيالي وتأخذ أبعادًا مرعبة، أما أخي فقد استند إلى الجدار وغرق في الصمت، فجأة نسمع طرقات على الباب، أهرع إليه، كانت أضواء المنزل لاتزال مطفأة وكان المدخل المؤدي إلى الباب الخارجي معتمًا، حالما اقتربت من الباب ولأنني كنت في أشد حالات الخوف والترقب، خيل إلى بأنني أسمع صوتًا مخيفًا لكائن غريب، ارتجفت هلعًا وعدت إلى الداخل وأنا أصرخ لأجد أخي في مواجهتي، أهرع إليه وقد مد ساعديه يحتضنني وأنا أبكي خوفًا، ينتهي الموقف بأن نكتشف بأن أبي هو من كان يطرق الباب برفقة أحد الأصدقاء، ذلك الحضن لا ينسى وذلك الكيان البهي لا يغيب.