د. خيرية السقاف
الذي يصنعه الثراء المادي في نفس إنسان يجهل سلطانه,
يغرقه في غياهب شهواته, ورغباته, وتيهه!..
حتى إذا ما احتدم به حد بين حاله, ومآله ذهب يتحسر: {مَا أَغْنَى عَنِّي مَالِيهْ}, {هَلَكَ عَنِّي سُلْطَانِيهْ} الحاقة - 28, 29
وأي سلطان هذا الذي يهلكه في الإنسان ماله؟..
أوَليس هو عقله مدار مسؤوليته؟َ!..
مكمن كفايات وعيه الفارق بينه وبين مكنونات الكون كله, ومخلوقاته..
الذي فرق الله تعالى به بين عاقل, وجامد, وسائل, وطائر, و...كل كيان في فضاءات الكون..
حقيقة يعرفها الإنسان, لكنه عند احتيازه, ينسى موجبات احترازه..
وهو سلطانه, يأتي معه سلطان النفس فيه..
فهي الأمَّارة كما وسمها خالقها تعالى بقوة خصائصها, وآثار ما يكون منها..
وهي الغالبة حين يكون العقل تحت سيطرتها..
تحب وتهفو, وتحرص, وتطمع, ويأتي المال أول ما تطمع فيه, فهو المذلِّلٌ لكل رغبة لأن تمْثُِّلَ في حضور بين يدي صاحبها؛..
وفي وجوه أخرى تطوّع النفس قوتها الجسدية, وعنفوان أصواتها, وطغيان وجدانها, وثقتها المفرطة في ذاتها, و..و..و..
وكل هذا «ما له» أي الذي يخصه, من كل ما هو للإنسان المفرد, في ملكه, وقدرته, وتحت مشيئته, أما ما عليه فمسحوق بين ناظريه في حالة غلبة أمَّارة نفسه فيه, وخضوع عقله لها..
فما الذي تصنعه هذه المكتسبات في الإنسان حين يجد نفسه في عنق نهايات؟ وحدود مواجهات, ومنحدر سقطات؟!..
هل ينشله ماله من الخيبات, أو ينقذه من الخسارات, أو يعفيه من اللائمات؟
أو نفسه حين تسيِّره بما فيها من مكنون معادل للمال يمكن أن تنجيه من حسرات في لحظة مواجهات مع خساراته؟!..
تلك اللحظات يجد الإنسان فيها ماله الذي كان في قبضته, ونفسه التي في دخيلته قد هلك بهما سلطانه, حين تعطّل عقله, وعاد فارغ الكفين, موحش الباطن, وحيداً في المآل؟!...