أ.د.عثمان بن صالح العامر
لقد تعوذ رسول الله صلى الله عليه وسلم من أمرض نفسية عدة من بينها قهر أو غلبة الرجال، وأشد القهر حين يقع هذا الداء الصعب على الرجل ممّن كان يتعشّم فيهم خيراً ويستبعد لحوق الأذى به منهم وبخاصة زوجته وأبناؤه، ولذلك قد تكون ردة فعل الرجل على مقارفة عائلته هذا الصنيع قوية وغير محسوبة العواقب. وللحق فإن في مجتمعنا المعاصر ظواهر عدة ولدت معها صوراً من القهر الذي يعاني منه بعض (الرجال) الأزواج والآباء جراء تغيّر البناء القيمي داخل الأسرة السعودية للأسف الشديد، الأمر الذي جعل هذا السكن الدافئ محضناً ملائماً لنمو المنغصات وكثرة المكدرات التي أفسدت الحياة الزوجية وربما أدت إلى عدم التوافق بين الزوجين ومن ثم هروب الزوج بشكل دائم عن البيت وقد يصل الأمر إلى الطلاق أو الخلع لا سمح الله.
لست في مقام حصر هذه الصور التي تولِّد القهر داخل بيوتنا ولا يمكن لي ذلك في مثل هذا المقال ولكن كثرة الطلبات من قِبل الزوجة والأبناء المتولِّدة عن عقد المقارنات مع مشاهير «السناب» أو الأقارب الأثرياء أو الأصدقاء والصديقات أبناء الأغنياء أو غيرهم قد تزرع في قلب الأب العاجز عن توفيرها وتحقيقها لأسرته (الزوجة والأبناء) القهر وتولِّد عنده الشعور بالدونية، ومثلها عدم تقدير ظروف الأب المالية والإلحاح عليه بالسفر للسياحة والاستجمام الأمر الذي يدفعه لأخذ قرض بنكي من أجل الوفاء بمتطلباته الأسرية مما يجعل القهر يلازمه طوال فترة تسديد هذا القرض الجاثم على صدره. وأشد من هذا وذاك ألاّ يجد الأب من عائلته الصغيرة تقديراً لما يبذله من جهد من أجل توفير لقمة العيش لهم، أو حين يخيب أمله أحد أبنائه أو بناته ويسلك مسلكًا لا يرضاه ولا يقبله ويحرجه أمام أقاربه ومن يعرفه، أو ما إلى ذلك من صور الإيذاء النفسي الذي يفطر القلب ويولِّد القهر.
ولذلك على الزوجة والأبناء أن يكونوا واقعيين في طلباتهم، عارفين مستواهم الاقتصادي، لا يجرهم التقليد ولا تؤثِّر عليهم المحاكاة فيفسدوا حياتهم بالمقارنات الخاطئة التي تكون نتيجتها الدمار والهلاك لهذا الكيان العزيز (الأسرة) لا سمح الله.
إن لسان حال كل أب وولي أمر يقول: (أبنائي.. بناتي.. لقد بذلت جهدي طوال عمري، كداً وكدحاً، طلباً للرزق الحلال من أجل أن تحصلوا على أفضل حياة حسب المستطاع، حرصت على تعليمكم أحسن تعليم فأنتم رأس مالي الحقيقي، فلا تخيّبوا رجائي فيكم ولا تكونوا سبب قهر لي بسلوك مشين أو عمل طائش جراء نزوة عابرة لا سمح الله، ربيتكم من أجل غد أفضل لكم ولتخدموا دينكم ووطنكم، فكونوا كما آمل فيكم، إنني انتظر منكم أن ترفعوا رأسي عالياً بسمعتكم الطيبة وأعمالكم المميزة وتخصصاتكم العلمية المطلوبة، وتفوقكم الأكاديمي والوظيفي فكونوا كما أتعشم فيكم وانتظر وإن لم تستطيعوا لا هذا ولا ذاك فعلى الأقل لا تنكسوا رأسي بفعلكم المشين يوماً ماً وتولِّدوا عندي (القهر) حيَّاً، وتشوِّهوا سمعتي وسمعت عائلتي ميتاً لا سمح الله.
أعلم فلذات كبدي أنكم تعيشون (صراع قيم) صعباً، ولذا فإنني لا أفتر عن الدعاء لكم بأن يحفظكم الرب ويرعاكم، ويرزقكم التوفيق والسداد في أموركم كلها، ويقيكم شرَّ من به شر، ويريكم الحق حقًا ويرزقكم اتباعه والباطل باطلاً ويرزقكم اجتنابه إنه على كل شيء قدير، وإلى لقاء، والسلام.