تأليف: علامة الجزيرة العربية وعلامتها الشيخ حمد الجاسر عليه رحمة الله وغفرانه
مراجعة وتعليق الدكتور القدير/ عبدالرحمن الشبيلي -عليه رحمة الله-
علامة الجزيرة وعلامتها حمد الجاسر عالم زاحم عباقرة التاريخ بركبتيه لم يغره المال، والجاه والمنصب ولم يسع إليها إنما استهواه وأخذ بتلابيبه شغف العلم وحب الأدب، فقدم أبحاثاً، وطرق دراسات، أعلت من مكانته سواء على المستوى المحلي أو العربي، وهو رائد من رواد الصحافة السعودية، حيث قاد زمامها ردحاً من الزمن السالف لا يستهان به، هو رجل ذو أبعاد موسوعية آخذ من كل علم بطرف، مستنير، اجتماعي، مثقف، محاور، باحث، رحالة، وليس على الله بمستنكر... أن يجمع العالم في واحد.
انطلاقة الشيخ حمد الجاسر الصحفية كانت في عام 1350هـ، حيث كتب في صوت الحجاز وأم القرى والمنهل وغيرها، وأما مجلته المشهورة (العرب) فقد صدرت عام 1386هـ وما زالت حتى الآن.
هذا الرجل الذي طاف الجزيرة العربية كان يتكئ على جسد نحيل أنهكه أمران فتاكان أولهما: المرض وثانيهما الفقر.
وقد حفر قبره أربع مرات، وتوهب له الحياة، ويشاء المولى جل في علاه ويدفن غيره في قبره، حتى المشي لم يحسنه إلا في سنته الرابعة.
ومرضه كان العامل الأساسي في دفع ذويه لإدخاله الكتاتيب وإبعاده عن الفلاحة نظراً لأن صحته وقوته البدنية لا تؤهله، ولكن الفيصل تلك الحكمة القائلة (أنت تريد وأنا أريد ويفعل الله ما يريد)، لقد كان الغيب يخفي أمراً جللاً مصيرياً في حق علامة الجزيرة عليه رحمة الله، فمن طفل عليل الجسم فقير البزة إلى علامة الجزيرة العربية ورحالتها شمالاً وجنوباً، وشرقاً وغرباً، {وَتِلْكَ الْأمثال نَضْرِبُهَا لِلنَّاسِ وَمَا يَعْقِلُهَا إِلَّا الْعَالِمُونَ} (43) سورة العنكبوت.
قد ينُعم الله بالبلوى وإن عظمت
ويبتلي الله بعض القوم بالنعم
وهذا الضعف الضحى والهزال الجسمي كان في حسن طالع الحركة الفكرية الأدبية الصحافية في المملكة العربية السعودية، إذ بدأ الشيخ حمد الجاسر مشواره العلمي بحفظ وقراءة القرآن الكريم ثم النهل من معين مشايخ السلف الموقرين على أجداثهم شآبيب الرحمة والمغفرة والرضوان ثم غاص في علوم العربية وغرف منها، وتفقه في علوم الشرع الحنيف، وبعد أن حصل على الشهادة الجامعية وشغل الوظيفة الحكومية، اختار أحب المهن إلى نفسه الصحافة، وصال فيها وجال، وسطر فيها أجمل الدراسات، وأحلى الأبحاث، وبين يدي كتاب هو خير شاهد ناطق على قولي هذا وقد أسلفت لك عنوانه، وهو كتاب سيكون نواه لكتب تضم مقالات وبحوثًا وأعمالاً متناثرة كتبها علامة الجزيرة حمد الجاسر أثناء مسيرته الثقافية الدؤوبة المكللة بالنجاح، يقول عضو مجلس الأمناء واللجنة العلمية بمركز حمد الجاسر الثقافي الدكتور الراحل عبدالرحمن الشبيلي - رحمه الله - في مقدمة الجزء الأول من الكتاب والخاص بالإعلام القدامى ما فحواه: (منذ أن بدأ نجمه في الظهور على المشهد الأدبي والبحثي، عندما كان طالباً في المعهد السعودي في مكة المكرمة بين عامي 1348 و1353هـ (1929 و1934) والشيخ الجاسر يحمل قلمه في شتى ميادين الثقافة والعلوم الإنسانية، يكتب وينشر في مختلف المطبوعات المتيسرة له مثل صحف «أم القرى» و»صوت الحجاز» و»البلاد» و»الجزيرة» و»المسائية» و»صوت الحجاز» و»الندوة» و»الرياض» و»اليوم» و»الشرق الأوسط»، ومثل مجلات «العرب» و»اليمامة» والمجلة العربية» و»المنهل» و»عالم المخطوطات» و»الحرس الوطني» و»الدرعية». وغيرها من المطبوعات الداخلية والخارجية، وقد استمر في الكتابة والتأليف والبحث والنشر عبر مسيرة من العطاء والإبداع، لم تتوقف إلا مع توقف نبضات قلبه بعد أن تجاوز الخامسة والتسعين من العمر).
هذا، وقد وجدت اللجنة العلمية في مركز حمد الجاسر الثقافي أن في تراث علامة الجزيرة العربية المئات والمئات من المقالات والأبحاث والدراسات التي تتصف بهذا الوصف غير أنها مشتتة ومتفرقة لم تظهر في الكتب التي رصدها أثناء حياته، فعقدت النية على سد الخلل بجمعها بين طيات سلسلة كتب لكل واحد منها اختصاص بجنس متجانس من الموضوعات، ثم قام المركز بترتيب المقالات وفق تسلسل تواريخ النشر ثم طبعها في جزءين: الجزء الأول. عنوانه (إعلام قدماء) وهو مقالات وبحوث وأحاديث في السير والتراجم، وراجع فيها الشيخ عليه من الله وابل الرحمة كتباً تناولات بالبحث إعلاماً قدماء، ثم ثنى بالجزء الثاني من الكتاب وهو (إعلام معاصرون)، وألحقت بهذا الجزء المقالات والبحوث التي كتبها لمراجعة كتب تناولت إعلاماً معاصرين، والمقصود بمفهوم المعاصرة عند الشيخ هو معاصرة حياة الشيخ الجاسر الذي وُلد في مطلع القرن العشرين الميلادي وكانت وفاته في نهايته على وجه التقريب.
وخطة ترتيب المقالات في الكتاب جاءت وفق التسلسل الزمني، فقد قامت اللجنة العلمية بضم بعضها إلى البعض الآخر، والإشارة إلى أرقام المطبوعات المنشورة فيها، وبالتالي تواريخها، وصفحاتها.
وأما رسم الكتاب من حيث الحواشي فقد جاء على النسق التالي: (مُيزت حواشي الشيخ بأرقام، بينما مُيزت الحواشي المضافة بشكل نجمة)، وأما الحواشي التي أضافها عضو مجلس الأمناء واللجنة العلمية في مركز حمد الجاسر الثقافي الدكتور - المغفور له بإذن الله - عبدالرحمن الشبيلي، فكما يقول عنها في مقدمة الكتاب: (وميزت الحواشي التي أضفتها بحرف (ش) في آخرها للتفريق بينها وبين الحواشي الأخرى). وقد تتبعت هذه الحواشي بالقراءة في مظانها ومساقط رأسها من الكتاب فوجدتها مبينة على البيان، واضحة كل الوضوح، بعيدة عن الإسراف في الإطالة والسرد ورصف المعلومات، ثم هي تقرب الحقيقة العلمية والتاريخية واللغوية والاجتماعية للقارئ في أسلوب محكم سهل ممتنع ميسر ضارب الجمال بسهم نافذ صائب لا يخطئ هدفه، ولا يطيش عن مرماه، فلله در الشبيلي، فهو الرامي، وهو المسدد، ثم هو متتبع لأحداث حياة الشيخ حمد الجاسر بكل استيعاب ودقة وإلمام، واستعراض لخطوطها العريضة، وأسلوب هذه الحواشي مبين، ونسجها متين، وكيف لا، والدكتور عبدالرحمن عليه من الله شآبيب الرحمة فارس من فرسان الكلمة المعدودين، وكتبه خير شاهد على هذا بل هو متأنق ذويق في التعامل مع جرس الحرف، حتى طوع له نفسه، وأرخى له زمامه، وألقى له بعصا التسيار.
** **
- قراءة: حنان بنت عبدالعزيز آل سيف بنت الأعشى
- عنوان التواصل: ص.ب 54753 - 11524
hanan.alsaif@hotmail.com