م. بدر بن ناصر الحمدان
جاء إنشاء المنتدى الحضري العالمي عام 2001 بواسطة الأمم المتحدة لمعالجة التحضر بوتيرة متسارعة، وتأثيره على المجتمعات والمدن والاقتصادات وتغيُّر المناخ والسياسات، الذي ينعقد من خلال موئل الأمم المتحدة كمشهد عالمي للمشاركة الشاملة، والتصدي لتحديات التحضر المستدام.
النسخة العاشرة تم تنظيمها هذا العام في العاصمة الإماراتية أبو ظبي تحت عنوان (مدن الفرص - ربط الثقافة والابتكار) الأسبوع الماضي، وشملت 6 حوارات عالية المستوى، و16 اجتماع طاولة مستديرة لقادة الفكر العالمي والمتخصصين، و10 ورش عمل خاصة، و5 تجمعات نقاش، و100 حدث لعرض تجارب الشركاء، و30 فعالية تدريبية متزامنة، إضافة إلى المعارض المصاحبة.
منذ اليوم الأول قررت التفرغ التام لأجندة هذا الملتقى، وحضور كل المحاضرات وورش العمل واللقاءات التي تتوافق مع اهتماماتي على مستوى إدارة المدن؛ كون مثل هذا المنتدى العالمي الذي يُعنى بالإدارة الحضرية لا يمكن تفويت فرصة حضوره والمشاركة فيه لكل متخصص يرغب في تطوير خبرته العلمية والعملية، وصقل مهاراته، خاصة بوجود هذا الكم الكبير من المسؤولين والأكاديميين والتنفيذيين في هذا المجال، الذين قد لا تسنح الفرصة لوجودهم تحت سقف واحد.
لقد استطاع هذا المنتدى إحداث تغيير كبير بداخلي حول المفاهيم الجديدة في إدارة وتنمية المدن وتطوير وظائفها، ودفعني لمراجعة بعض معتقداتي المهنية، بل تنازلي عن بعض المبادئ التي طالما آمنتُ بها، ودافعتُ عنها في فترة ماضية (سأتحدث عنها في وقت لاحق)؛ إذ توصلت في نهاية هذه الدورة إلى قناعة تامة بأنه لا يمكن اعتناق توجهات عمرانية إلى ما لانهاية حتى وإن بدت منطقية. هذا التحول الكبير الذي تشهده المدن حري بتحوُّل مناظر في تلك المعتقدات، وإطلاق المجال لتبني أفكار جديدة أكثر قدرة وابتكارًا في التعامل مع هذه القضايا الحضرية.
أكثر ما لفت انتباهي في هذا المنتدى هو التركيز على (إعادة التفكير في مستقبل المدن)؛ إذ برز بشكل واضح توجُّه عالمي نحو العمل على مراجعات عديدة للخطط والاستراتيجيات والسياسات التي طرحت مع بداية الألفية الجديدة، ولم تحقق الأهداف التي صيغت من أجلها، إضافة إلى ثمة فرص حضرية لم تستثمرها تلك المدن عطفًا على تقادم مناهجها وأدواتها الحضرية. لقد كان واضحًا سعي المنظمات الدولية وخبراء الأمم المتحدة إلى تحفيز الجهود نحو اقتناص هذه الفرص، وتحويلها إلى مشاريع وبرامج عمل تنفيذية من أجل تحقيق جودة الحياة داخل المجتمعات العمرانية بمختلف مستوياتها.
الأمر الآخر - وعلى سبيل المقارنة - هو أني استنتجت أن استراتيجيات تنمية المدن السعودية بمجمل مكوناتها، ومن خلال برامج وخطط الوزارات والهيئات القطاعية ذات العلاقة، تُعتبر متقدمة بشكل كبير على كثير من التجارب الدولية التي تم استعراضها والتعامل معها على أنها طرح جديد، ويمثل التوجه الحضري العالمي، بل إن الحلول التي قدمتها رؤية المملكة 2030 تمثل نموذجًا عالميًّا في الإدارة الحضرية، وتضع المملكة في مقدمة الدول الطموحة لبناء مستقبل المدن.
ما أود قوله هو أننا بحاجة إلى مضاعفة العمل القائم لإبراز تجارب وخبرات وجهود المملكة ورؤيتها على المشهد الدولي بشكل أكثر فاعلية، ووفق منهج مستمر ومتطور. أنا متأكد أن العالم لا يعرف الكثير عما نمتلكه من مشاريع وبرامج وطنية، تم بناؤها على قدر كبير من الاحترافية.. بل واثق من مرحلة أكثر تقدمًا تكمن في قدرة المملكة على المساهمة في إثراء المنصة العالمية بخبراتها وتجاربها على مستوى الإدارة الحضرية.