عبدالمحسن بن علي المطلق
إجمال ما يمكن أن أجيبه وذلك حين أرسل لي فجرًا ليخبر بوفاة أمِّه.. (وهكذا ديدن من رُبط على قلبه) عسى أن يكسب ميته الدعاء.. بدلاً من الانشغال بأوجاع الوداع أو الانسدار خلف أبعاد الفراق.
إنه الذي جمعتني به أجمل رحلة بالعمر حقيقة (الحج) هن دون بضع أيام..
لكنها كشطت عن شخصية دمثة ذات خلق عالٍ خدمني أكثر مما أتصوّر بل إنه ورغم أن قدمه للتو خرجت من مخيط آلام.. إلا أنه لم يوفّر نفسه، بل كان من حرصه يسابق على ما يفوق وصفي، هذا الصفيّ الذات العالي الإحساس، حبيب القلب العذب الرطب (مُيسر الشريف).
سرَّه ربي بما يحب، ويسّر له الأمر أنّى اتجه، وشرّفه الله بالمنازل العلا دنيا وآخرة.
لقد كان هذا الصاحب نعم السمح والرواف بمن لأول مرة يلتقيه -محدّثكم-.. لكنه تعامل وكأن عمرًا قطعناه، فتذكرة جملة لعمر (.. هل سافرت معه) فأقول نعم سافرت فأسفرت الرحلة فوق ما تمنيت بالرفيق، وبأضعاف ما أمّلت
نعم كنت (وكذا أحسب) أني من أوائل من أخبرهم أو بين فُرادى من أنبأهم برحيل أغلى إنسان عليه في الدنيا والدته..) رحمها الله، ولا غرو أنه ما صنع معي هذا إلا لمقام أسعدني به قلبه و»الأم» بماذا سوف أعزّي هذا العزيز.. بها.
فهي التي تقف أدوات التعبير مهما بثثت لن تبلغ ساحل قدرها أو دون عوالي مكانتها.
يكفي وصيّة الحبيب - صلى الله عليه وسلم - أنه أعطاها ثلاث أرباع أولى الناس بصحبتك ثم وبعد أن أعطى الأب الربع الباقي.. فلم يدع بعدهما لأحد من خلاق - نصيب في الصحبة (الحقيقة) التي لا مراء فيها، ولا لسواهما من شيء.
أجزم أنّه وما أن وارها الثرى إلا واستبكى القلب أن حُبست الدموع بـ..
سلا على قبر غدا طيب الثرى
سأبكي واستبكي عليه غماما
يكفي مكانة أن ضم جدثًا لطالما سهر عليه.. حنوّا، وسهد طرّا إثر أوجاعه، وما مال غبيطه إلا إليه
فـ{الأم} يا قوم لا يحدثكم قلم واهن مثل قلمي!، لكن يعيد بعضا مما علمه الكل/
هي سبب كبير للجنة، واستمطار رحمة المولى، وربما تجاوزت أثقالا وصعاباً لا تدرك كنهها بدعواها لك سراً وجهراً
وكفاك أن ذاك منها آتٍ من حب صادر من مهجة تتمنى أن تقضي فداك
وكلمة.. وإن سبقت بها البلاغيون فحسبي أني تشربت منهم معانيها، وأخذت من جهابذة أهل المعارف دلالاتها، وانتقيت من كنوز ذي العطاء دررها:
(هي أوّل من يضحي وآخر من يطلب).
فحسب الناس أن حبهم له مسبب إلا حبها، والكلام يطول وقد يميد بي إلى مفاوز لا أستبين منهاها عن كثب فحسب ما لديكم أن يمدكم بقدها ومكانتها بدلاً من بضاعتي المزجاة.
اليوم صاحبي يفقد ذاك الأثير في حياته فما عساي أن أعزّيه إلا بكلمات جليلات.
{إِنَّا لِلّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعونَ}.
تبصر حبيبنا بها وتدبر أن المنقلب إليه والمعاد وما حجتنا في طي بيدد هذه الحياة إلا الزراعة للأخرى، فما يصيبنا إلا ما سبق إليه الآخرون، ولا يأسي على الموت إلا ذكر فقد النبي محمد -صلى الله عليه و سلم- و قد أجملها أحمد شوقي:
«آل زغلول»حسبكم من عزأ
سنة الموت في النبي وآله
ثم.. وإن سرحما بالدنيا فالأجل موعد كل حي كما كان موعداً لمن سبق..
لا بد من فقد ومن فاقد
وما مخلّد فيها من أحد
رحم الله والدتك يا الغالي وجعلها في عليين، وجمعنا بهم هناك {فِي مَقْعَدِ صِدْقٍ عِندَ مَلِيكٍ مُّقْتَدِرٍ}، فذاك موعد جلو التنافس، وعليه طرّا حلو التسابق.