محمد آل الشيخ
يتردد في مجالس القطريين كما علمت أن الذي يقف حجر عثرة في عودة دويلة قطر إلى الصف الخليجي هو الرئيس التركي رجب طيب أردوغان. فمن المعروف أن القطريين أتوا بقوات حماية تركية عندما شعر حمد بن خليفة وأبناؤه أن هناك تذمراً واستياءً وانتقاداتٍ شعبيةً تتزايد حدتها بين القطريين بشكل مستمر، وخصوصاً من أبناء بيت آل ثاني الحاكم؛ ولأن حمد وأبناءه لا يثقون بما فيه الكفاية بالقوات الأمنية والعسكرية القطرية، ولأن تاريخ حكام قطر حافل بانقلابات القصر، وجد حمد بن خليفة حاكم قطر الحقيقي أن استقدام قوة عسكرية لحفظ أمنه وأمن أبنائه هو الحل، وأن الأتراك هم الخيار الأفضل، الأمر الذي جعله يستقدم آلاف من الأتراك ليتولوا حمايته، بموجب اتفاقية تمس في بنودها سيادة قطر واستقلالها، وتعطي الأتراك مميزات استثنائية خلال تنفيذهم لهذه الاتفاقية. ومعروف أن أردوغان سياسي انتهازي من الدرجة الأولى، ولن يفوت الفرصة للاستفادة من ثروات قطر ما أمكنه ذلك، وهو يعرف أن سحب جيوشه سيشعر حمد وأبناءه أنهم في وضع داخلي خطر، كما سيشجع بقية أذرعة الأسرة الحاكمة بالضغط عليه، وربما تغييره كما فعل هو بوالده؛ لذلك فإن القطريين يرون أن أي مصالحة بين دول الخليج والدويلة ليس من مصلحة أردوغان، أضف إلى ذلك أن تركيا تسير بخطى حثيثة إلى مشاكل اقتصادية متوقعة على المدى القريب والمتوسط، وأن أردوغان سيلجأ إلى الخزينة القطرية لتمده بالمساعدة متى ما احتاج إلى السيولة النقدية، وحكام قطر لا يمكن أن يرفضوا لأنهم في موقف ضعيف، وليس في أيديهم إلا الموافقة على ما يطلبه الرئيس التركي رغم أنوفهم.
كما أن أردوغان يعي تماماً أن أي صلح للدويلة مع دول الخليج سيجعل قدرته على الابتزاز تضعف، وفي الوقت ذاته يقوى حكام قطر، لذلك أوحى أردوغان إليهم أن أي اتفاق مع دول المقاطعة الخليجية يجب أن يوافق عليه، بل وعلى تفاصيله، ولم يستطع حكام قطر الممانعة، لأنه إذا انسحب سيعريهم، أو على الأقل هذا ما يخافون منه.
عبدالله بن ناصر آل ثاني رئيس وزراء قطر السابق كان قد حذَّر من هذا البعد الخطير، إلا أن تميم أعفاه، وأتى بغيره. ويبدو أن القطريين - كما روى لي أحد الأصدقاء القطريين - يشعرون بقلق يتزايد مع مرور الوقت من أردوغان، ويعتبرون أن اتفاقية الحماية التركية ليست مساساً بسيادة بلادهم فحسب، وإنما قد تكون مبرراً لتدخل أردوغان في شؤونهم الداخلية، ولا سيما أن جماعة الإخوان على أتم الاستعداد للتعاون معه، طالما أنه سيحقق أجندتهم في المنطقة. لذلك فالقطريون هم من أحرص الناس على الصلح مع جيرانهم، ليتخلّصوا من الغول التركي الجاثم على أرضهم.
ولعل هذا ما جعل عقلاء القطريين ينتظرون عودة قطر إلى الحضن الخليجي على أحر من الجمر، لأنهم يدركون تمام الإدراك أن أردوغان لا يمكن الثقة به على مستقبلهم.
إلى اللقاء.