د.عبدالله مناع
بعد الجدل الطويل حول (محاصصة) الكتل السياسية والحزبية والطائفية من «الكاثوليك» و«الأرثوذكس» و«تيار المردة الدرزي»، «والحزب القومي الاجتماعي السوري»، و«حزب التيار الوطني الحر» في الوزارة اللبنانية الجديدة التي كُلف بتشكيلها مؤخرًا الرئيس (حسان دياب).. تمكن الرئيس (دياب) أخيرًا من تشكيل حكومة متهمة بأنها حكومة حزب الله، وأنها تخلو من أحزاب: (تيار المستقبل) و(الكتائب) و(القوات اللبنانية) و(التقدمي الاشتراكي).. بعد أن تمكن من إجراء تعديل على عدد الوزراء.. ليصبح إجمالي عددهم بمن فيهم (رئيس الوزراء) نفسه عشرين وزيرًا! بدلاً من ثمانية عشر وزيرًا.. ليعلن الرئيس (حسان دياب) في الحادي والعشرين من شهر يناير الماضي عن تشكيل حكومته الجديدة، وهو يقول: (إن الحكومة الجديدة تتكون من وزراء «تكنوقراط» من ذوي الكفاءات والاختصاص)، وأنها تعبر عن تطلعات المعتصمين على مساحة الوطن، وستعمل لترجمة مطالبهم في استقلالية القضاء واسترجاع الأموال المنهوبة)، وإنها نتيجة لـ(مطالب) الشارع اللبناني، الذي خرج عن بكرة أبيه في السابع عشر من شهر أكتوبر.. نشرين الأول الماضي بعد أن ضاقت بهم فسحة الأمل.. وهم يهتفون ضد من يريدون (اغتيال أحلامهم في الوصول إلى دولة عادلة يحميها القانون الذي لا يميز بين مواطن ومسؤول) ليختتم قائلاً: (إن حكومته الجديدة المكونة من تكنوقراط واختصاصيين هي حكومة (السابع عشر من أكتوبر - تشرين الأول - ولذلك.. هي حكومة كل لبنان)!!، وليست كما قال إنها (حكومة اللون الواحد)!!
***
لكن مشكلة (التشكيل الوزاري) التي استطاع تجاوزها الرئيس المكلف (حسان دياب) بـ(إضافة وزيرين) للتشكيلة الحكومية.. ظهرت مجددًا مع الإعداد لـ(البيان الوزاري)، الذي على حكومة (دياب) أن تقدمه لـ(البرلمان) ليعلن ثقته!
فقد قيل إن مشروع (البيان الوزاري) تسرب إلى عديد من وسائل الإعلام المحلية، وإنه كان موضع نقدها بأكثر من تأييدها، وأن (الشارع اللبناني.. ما زال مشتعلاً رافضًا لمسودة البيان الوزاري)، وإنه كما قال أحد المعلقين: (ليس بأكثر من شراء وقت، وإنه فضفاض غير مقنع، وإنه يتضمن وعودًا كثيرة، وفي ذات الوقت لا يوجد جدول زمني لتنفيذ هذه الوعود)، بجانب أن ثقة الشارع اللبناني في هذه الحكومة مفقودة لأن القوى السياسية التي أسقطها الشارع اللبناني وأسقط حكومتها السابقة عادًا جزءًا كبيرًا منها في حكومة (حسان دياب) الجديدة وهو أمر يتناقض مع مطالب المحتجين في الشارع اللبناني، الذين كانوا يطالبون منذ خروجهم إلى ساحة (رياض الصلح) في قلب العاصمة اللبنانية «بيروت».. بحكومة مستقلة عن الأحزاب، وقادرة على معالجة الوضعين السياسي والاقتصادي في بلد يعانى أسوأ أزمة اقتصادية منذ الحرب الأهلية اللبنانية بين عامي: 1975م و1990م.. كما يطالب المحتجون بانتخابات نيابية مبكرة، ورحيل ومحاسبة بقية مكونات الطبقة الحاكمة التي يتهمونها بالفساد والافتقار للكفاءة؟!
وكل هذه الأمور مجتمعة قد لا تعطي حكومة (حسان دياب) فرص نجاح مقبولة لدى الشارع اللبناني المنهك اقتصاديًا.. الذي بلغ معه صرف الدولار الواحد بـ(2000 ليرة لبنانية)..؟!
فهل ستستطيع حكومة (حسان دياب) التي نالت - بـ(الكاد) - ثقة البرلمان اللبناني إنجاز كل تلك الوعود.. وفي مقدمتها سياسيًا: ترحيل ومحاسبة بقية مكونات الطبقة الحاكمة المتهمة لدى (المتظاهرين) بـ(الفساد) والافتقار للكفاءة؟ وهل ستستطيع حكومة (حسان دياب) الجديدة، أن تواجه الأزمة الاقتصادية الخانقة التي تعصف بلبنان؟
***
لقد عاش لبنان بعد وصول العماد ميشيل عون عام 2018م.. إلى (قصر بعدا)، ووصول (سعد الحريري) إلى رئاسة الحكومة اللبنانية.. سنوات خضراء من بحبوحة خليجية من السياح والاستثمارات، ولكن الأمر اختلف على الرئيس (سعد الحريري) عند إعادة تكليفه الثاني بتشكيل الوزارة بعد الانتخابات النيابية الأخيرة الماضية، وهو ما أدى في النهاية إلى خروج المتظاهرين والمحتجين إلى الشوارع وهم يطالبون بـ(إسقاط) الحكومة في السابع عشر من أكتوبر الماضي إلى آخر مطالبهم التي كانوا يجأرون بها صباح مساء.. لكن مشكلة رئيس الوزراء الخلف (حسان دياب) أنه يملك أحلامًا كبيرة وكثيرة، ولكنه يفتقد للإمكانات التي تجعل من تلك (الأحلام) حقائق يعيشها اللبنانيون على أرض الواقع، وقد أحسن (دياب) على أي حال عندما ذكر في بيانة (الوزاري) لنيل ثقة البرلمان.. بـ(إن أول رحلاته خارج لبنان ستكون إلى الدول العربية.. وفي مقدمتها الدول الخليجية بحثًا عن دعمهم وعونهم له ولحكومته؟!
فإن استجاب بعضهم لدعمه وعونه.. فإنه سيستمر حتمًا في رئاسته لـ(الحكومة اللبنانية).. أما إن لم يجد تلك الاستجابة - وهو ما أتوقعه - لإنقاذ الوضع الاقتصادي اللبناني.. فإنني أحسب أن الكرة ستعود حتمًا للرئيس عون الذي لا يجد قبولاً من شريحة كبيرة من المتظاهرين لـ(تكليف) شخصية سنية أخرى تجد قبولها خليجيًا، وكان الله في عون اللبنانيين على تحملهم لأوضاعهم الاقتصادية الصعبة.!؟
***
على أي حال، بعد كل هذا الذي قلناه بـ(تجرد) عن الحكومة اللبنانية الجديدة وتشكيلها، وعن بيانها الوزاري الذي حصلت على (الثقة) عليه بـ(الكاد).. فإن المنطق السياسي، والاقتصادي لا يقول بـ(حياتها) واستمرارها.. بقدر ما يقول بموتها ونهايتها العاجلة!!