د. حسن بن فهد الهويمل
أكتب هذه الخاطرة من على ظهر السيارة، وأنا عائد من مدينة (حائل) بعد حضور فعاليات (ملتقى حاتم الطائي الدولي) الذي ينفِّذه كل عام (النادي الأدبي الثقافي بحائل)، وموضوعه (الترجمة ودورها في البناء الثقافي)، الذي أُلقي فيه (أربعة وثلاثون) بحثاً في يومَين حافلَين بالمتعة، والنفع: تجول، وتسوق، وزيارات، وإلمام بالجلسات.
شارك في البحوث مفكرون من أنحاء العالم، وحُظيَت الجلسات بمداخلات مثيرة، وحضور نخبوي متميز.
(الترجمة) ظاهرة حضارية، تواصلية: مهمة، وخطيرة؛ لأنها تجسر الفجوات بين الحضارات، ولأنها تصنع الحضارة الإنسانية، بكل متطلباتها.
(الحضارة الإسلامية) حضارة مفتوحة، تكاملية، تؤمن بالمشاطرة: (إنما بُعثتُ لأتمم مكارم الأخلاق). (إن مثلي ومثل الأنبياء من قبلي كمثل رجل بنى بيتاً فأحسنه، وأجمله إلا موضع لبنة من زاوية.. فأنا اللبنة). فالإسلام بهذا التعبير البلاغي: متمم، وخاتم.
والترجمة حين تنعتق من (الأدلجة)، و(التسييس) تسهم في بناء الحضارة الإنسانية، الخالية من كل الشوائب. بعض الباحثين والمداخلين ركز على أهمية الحكايات الشعبية، كـ(ألف ليلة وليلة)، وقال بترجمة القرآن.
القرآن لا يُترجم، وإنما تُترجم معانيه. والإبداع كالشعر، لا يُترجم. و(ألف ليلة وليلة) لا تمثل الحضارة الإسلامية، وعناية المستشرقين بها مكيدة.
كان الملتقى متألقاً بكل المقاييس؛ حضره، وشارك فيه عدد من المفكرين والأدباء من الداخل، والخارج.
حراك ثقافي متميز، تنهض به الأندية الأدبية، منذ نشأتها.
ناديان متميزان: (نادي جدة) و(نادي الرياض) كرّما عَلَمين متميزَين: عبد العزيز السبيل، وعبد الله الغذامي. ولمكانة الرجلين عندي كنتُ أتمنى لو دُعيت.
أقول قولي هذا لأن بعض مَن لقيتُ من الزملاء يلومونني على عدم حضور مثل هذه الفعاليات.
عندما كنتُ رئيساً لنادي القصيم الأدبي كانت الفعاليات تبارَك بحضور ممثلين من رعاية الشباب، أو من الوزارة فيما بعد، وقد تُدعم بمساعدة مالية استثنائية.
ما أوده من (وزارة الثقافة) دعم الفعاليات الثقافية في الأندية: مادياً، وإعلامياً؛ لأنها أثبتت نجاحاتها، عبر أربعة عقود، ولم تعد هامشية.
أعرف أن الرؤية المباركة وسعت قاعدة الثقافة لأكثر من عشر هيئات. ثقافة: الكلمة، والترجمة، والنشر، من أهم هذه الهيئات الثقافية التي تنهض بها الوزارة الفتية؛ لأنها تحمل الرؤية، وتجسر الفجوات مع الآخر.
شكر الله لأبناء حائل كرمهم، وحيويتهم، ومزيداً من الفعاليات المثمرة، البنّاءة..!