أما بعد ...
وبعد استراحة محارب طويلة تعود إليكم (مسافرة) بعد أن حزمت حقائب الحرف الذي أثقل عليها طرقاتها ولم تكن تعلم أن كل كلمة كانت عالقة على سطر تعبها كادت أن تقصيها عن طريق الفرح. كانت هي أنا ولم تكن غير تلك المرأة التي تحتاج فقط أن تعانق مدى ذلك الأفق لتكتب وتكتب فقط. كانت تقف على عتبات الخوف قبل أن تستسلم له وتتركه يقودها عبر طرقات لم تكن لتعرفها لولا أنها قالت: تم! لتكتب لكم الآن.
«حان موعد الحنين» هكذا قال لها الحرف عندما سلمت ما كان يلتقط أنفاس حروفها من هنا وهناك. صوت الدكتور وهو يقول: وصل، كان الشعلة التي أضاءت دهاليز الكتابة لتعود تلك المشاكسة وتقفز على أصابعها وتداعب النبض فيها. كان كل شيء يقول: اكتبي لم يعد هناك وقت أو لعل الوقت الذي مضى ربما لن يعود؟
كتبت (طريق الخرج) تلك الذكريات الكارثية التي بعد عام ونصف من الكتابة عدت به إلى سلة المحذوفات. هل الخوف من سيرة ذاتية؟ هل هو الخجل من كشف مستور مرحلة مرت بشخوصها وأخبارها؟ هل سأكون «غادة» أخرى تخرج أسرار الناس ورسائلهم ولكن الفرق بيني وبينها أنهم جميعاً على قيد الحياة إلا ليلى. من الذي يذكرها؟ نطق بها أحد الجروح وأنا أنقر على نقطة التوقف بعد اسمها، ليتحدث السطر إلي يليه كل الذين يعرفون مسافرة.
مشهد 1:
ليلة قبل شهرين كان كل شيء يقول قدمي الحرف على الآخر ولا تخافي. اكتبي اخرجي من قالب تلك الكتابة الأكاديمية التي كانت تعشعش في رأسك لم تسافر ولم تترك ترحلين حيث تنتمين. خلعت رداء مثقل بالمراجع وتوحد بي ذلك الشعور الذي لا يعود به إلا المطر، الفجر والغروب وأغنية راشد الماجد (كثر كل شيء واحشني) وتلك الشوارع التي حملتني إلى حيث قدري. كتبت (209)! تلك التي بدأت الواحدة ليلاً وانتهت الرابعة فجراً، وكانت التمرد الذي لا يعاش مرتين. مشكلتي أنني غارقة بالكتابة ولا أستطيع أن أتنفس تحتها إلا بعد أن داهمتني (رحيل) التي أوجعتني وحبيبتي الثقافية غائبة في إجازتها. ولكم أن تتخيلوا شعور الكاتب الذي نزف جرحه ويريد كل العالم أن يقرأ تلك الصرخة التي لا يخجل أن يسمعها الكل لعلها تشفي وجعه فبعض الكتمان موت. خرجت وثقتها ولكنها كانت غريبة رغم أن الوطن الجديد لم يبخل عليها بالاحتواء.
مشهد 2:
عندما تعود لوطنك تأكد أن الغياب لم يكن إلا لتعود بشوق أكبر، لتتنفس بعمق في بلادك التي تحبها وتحبك.
مشهد 3:
عدت.
** **
- بدرية الشمري (مسافرة)