رمضان جريدي العنزي
الأب هو المعنى والعطاء والحنان الكبير والحب الذي بلا حدود، هو الضوء في زمن العتمة والدهليز والظلام، هو عقد اللؤلؤ والذهب والكريستال، هو أصل الحرير والأشياء الثمينة كلها، هو الروح والفؤاد والنسيم والهواء العليل، لا توفيه الكلمات، ولا ترفعه العبارات، ولا تجازيه القصائد والخطابات، مهما بلغت من الثناء والمحامد، هو السند والمعين والمساعد، مشهده هيبة، وحضوره أنس، حنانه مسرة، وشدته إرشاد، ووصاياه نجاة، ورؤيته سعادة، هو نور الحياة، وشمعة الدار، وقنديلها المنير، وفقده لا تعوّضه الأثمان، مطلقاً لا تعوّضه الأثمان، هو الرفيق والحبيب والصديق والخليل، هو الثوب والرداء والغطاء، والحلم والأماني، هو التضحية والفداء، نظراته محبة، وقبلاته رحمة، ونبض قلبه حنان، خوفه محبة، وعتابه مودة، وتأديبه تقويم، هو الأب يريد برنا، إذا ما قضي شبابه، وشاب مفرقه، واحدودب ظهره، وقصر بصره، ونقص سمعه، واهتزت أطرافه، وحلَّت به الأسقام والأوجاع، هنا يحتاج لقلب رحيم، ولسان رقيق، ويد حانية، إن طلب فبادر بتلبية أمره، وإن مرض فكن عند رأسه، وإن حزن فأبهج خاطره بطُرفة، أدخل السرور إلى قلبه، قدِّم له الهدية وإن لم يكن بحاجة لها، خذه إلى حديقة، تنزَّه معه، اجبر خاطره، واسم بنفسه، وتفقد حاله، واسأل عنه في حلِّك وفي سفرك، كن به رؤوفاً رحيماً، ترفَّق به، لا تكسر خاطره، ولا تدمي فؤاده، ولا تصيبه بالحزن، لا تتجهَّم ولا تعبس بوجهك عنده، كن بحضوره مؤدباً هاشاً باشاً، مصافحاً ومعانقاً، اجعل ثغرك مبتسماً عنده كأنه روضة زاهرة، أعلن الحب له، وأظهر استعدادك الكامل لخدمته وإسعافة وقت الحاجة، كن له العضد والمتكأ والسند، فبرك بأبيك من أعظم الطاعات، وأجل القربات، وباب كبير من أبواب الرزق والتوفيق، والعلو والنجاح، ومدخلاً عظيماً من مداخل الجنة، قال تعالى على لسان يحيى عليه السلام: {وَبَرًّا بِوَالِدَيْهِ وَلَمْ يَكُن جَبَّارًا عَصِيًّا}، وكذلك قال تعالى على لسان عيسى عليه السلام: {وَبَرًّا بِوَالِدَتِي وَلَمْ يَجْعَلْنِي جَبَّارًا شَقِيًّا}، وقال تعالى في محكم تنزيله {وَاعْبُدُواْ اللّهَ وَلاَ تُشْرِكُواْ بِهِ شَيْئًا وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا}، وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (منْ أحبّ أنْ يُمدّ لهُ فِي عُمْرِهِ، وأنْ يُزاد لهُ فِي رِزْقِهِ، فلْيبرّ والِديْهِ، ولْيصِلْ رحِمه). إن بر الرجل بأبيه دِين ودَين، الأول يأخذك إلىلجنة، والثاني يرده لك أبناؤك، فاجعل همتك عالية في سعادته ورضاه، فلا حلاوة ولا سعادة ولا فلاح ولا نجاح ولا علو من غير سعادته وبِره ورضاه.