الرياض - خاص بـ«الجزيرة»:
حرم الله الظلم على نفسه وجعله بين العباد محرماً، فقال: «يا عبادي إني حرمت الظلم على نفسي، وجعلته بينكم محرما فلا تظالموا».
وتؤكد القاعدة النبوية الجليلة أن «الظلم ظلمات يوم القيامة «لا تستثني أحدا من الناس، ويعظم الوعيد ويشتد على من استغل قوته أو مكانته أو سلطته في ظلم العباد.
ولقد وصل تمادي بعض الظالمين في أكل حقوق الناس إلى (الضرر المغلظ) وذلك بإنكاره لحقوقهم، وأخذ أموالهم بالباطل وتحميلهم مصروفات تقاضيهم في طلب حقوقهم.
«الجزيرة» التقت اثنين من القضاة ليتحدثا عن كيفية ردع هؤلاء الظلمة المتلاعبين بحقوق الآخرين، والسبل الكفيلة لتوعية المجتمع عن مخاطر الظلم وعواقبه.. وفيما يلي نص أحاديثهما:
ردع الظلمة
بداية يؤكد فضيلة الشيخ الدكتور صالح بن عبد الرحمن بن سليمان المحيميد، عضو المحكمة العليا، رئيس محكمة الاستئناف بمنطقة المدينة المنورة سابقاً أن الظلم أساس الفساد، وهو محرم تحريماً قطعياً معلوم ذلك من الدين بالضرورة؛ فلا يسع أحد جهله، فالإسلام يقوم على العدل ومن تجاوز العدل دخل في الظلم وصار من الظالمين، وهو أنواع كثيرة جداً قولية وفعلية فردية وجماعية قد يظلم الإنسان نفسه بتقصيره فيما يجب لها من حق، وقد يظلم الإنسان ولده في حرمانه مما أوجب الله من النفقة والتربية والتعليم أو بتكليفه بأعمال ضارة، ويكون ظلم الناس باللسان مثل: الغيبة والنميمة، والهمز واللمز، والخيانة والغدر وغير ذلك من أنواع الأقوال والأفعال المؤذية ومن الظلم أكل أموال الناس بالباطل، والمماطلة في الحقوق الواجبة سواء كانت مالية أو اجتماعية أو حقوق واجبة، ويتضاعف الظلم عند إلجاء صاحب الحق للمحامين والمحاكم وما يتبع ذلك من الهم والغبن وما أكثر من يفعل ذلك ولا يبالي بالعواقب مع أنها وخيمة، فكم من ظالم دعا عليه المظلوم فأصيب في في بدنه بمرض عضال أو أصيب ماله بما يفسده، فاتق دعوة المظلوم فإنه ليس بينها وبين الله حجاب، وإذا كثر الظلم في الناس كثرت عليهم المشاكل من كل جانب، ولهذا ينبغي محاربة الظلم والأخذ على أيدي الظالمين بردعهم وتأديبهم منعا لهم من الظلم وزجراً لغيرهم من التلبس بمظالم الناس.
نصرة المظلوم
ويقول فضيلة الشيخ الدكتور نايف بن أحمد الحمد قاضي الاستئناف: وجوب مناصحة الظالم وردعه ونصرة المظلوم: فعن أبي سعيد -رضي الله عنه- قال : سمعت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يقول: (مَن رَأَى مِنْكُمْ مُنْكَرًا فَلْيُغَيِّرْهُ بيده فَإِنْ لم يَسْتَطِعْ فَبِلِسَانِهِ فَإِنْ لم يَسْتَطِعْ فَبِقَلْبِهِ وَذَلِكَ أَضْعَفُ الْإِيمَانِ)، وفي حديث أنس -رضي الله عنه- قال : قال رسول اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم-: (انْصُرْ أَخَاكَ ظَالِمًا أو مَظْلُومًا) قالوا: يا رسول الله هذا ننصره مظلوما، فكيف ننصره ظالما؟ قال: (تَأْخُذُ فَوْقَ يَدَيْهِ)، وقد قرر العلماء أن نصرة المظلوم من فروض الكفاية وهو من جملة الأمر بالمعروف والنهى عن المنكر، وقال عليه الصلاة والسلام (الْمُسْلِمُ أَخُو الْمُسْلِمِ لَا يَظْلِمُهُ ولا يَخْذُلُهُ ولا يَحْقِرُهُ) والخذل ترك الإعانة والنصر، ومعناه إذا استعان به في دفع ظالم ونحوه لزمه إعانته إذا أمكنه ولم يكن له عذر شرعي، مشيراً إلى أن ترك الأخذ على يديه أذان بعقوبة الجميع، وعن أبي بكر الصديق -رضي الله عنه- قال: «أيها الناس إنكم تقرؤون هذه الآية يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا عَلَيْكُمْ أَنْفُسَكُمْ لاَ يَضُرُّكُمْ مَنْ ضَلَّ إذا اهْتَدَيْتُمْ وإني سمعت رَسُولَ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- يقول: (إِنَّ الناس إذا رَأَوُا الظَّالِمَ فلم يَأْخُذُوا على يَدَيْهِ أَوْشَكَ أَنْ يَعُمَّهُمُ الله بِعِقَابِهِ)».
وشدد الدكتور نايف الحمد على أن يؤدي كل واحد منا ما عليه بلا مماطلة فقد قال عليه الصلاة والسلام: (مَطْلُ الْغَنِيِّ ظُلْمٌ) وقد جاء أعرابي إلى النبي -صلى الله عليه وسلم- يتقاضاه دينا كان عليه فاشتد عليه وقال: أُحرِّج عليك إلا قضيتني. فانتهره الصحابة فقالوا: ويحك تدري مَن تكلم؟ فقال: إني أطلب حقي. فقال النبي -صلى الله عليه وسلم: (هلا مع صاحب الحق كنتم) ثم أرسل إلى خولة بنت قيس فقال لها (إن كان عندك تمر فأقرضينا حتى يأتينا تمر فنقضيك) فقالت: نعم بأبي أنت وأمي يا رسول الله فاقترضه، فقضى الأعرابي وأطعمه فقال: أوفيت أوفى الله عنك. فقال النبي -صلى الله عليه وسلم-: (إنه لا قُدِّست أمة لا يأخذ الضعيفُ فيها حقه غير مُتَعتَع) «أي مِن غير أن يصيبه أذى يقلقه ويزعجه» ا.هـ، مؤكداً على معاقبة الظلمة المماطلين والمعتدين على حقوق الناس بلا حق قال -عليه الصلاة والسلام-: (لَيُّ الْوَاجِدِ يُحِلُّ عِرْضَهُ، وَعُقُوبَتَهُ) فمتى علم مَن في قلبه مرض بذلك انزجر وانكفأ، وقضاء التنفيذ يسير على ذلك مما سهَّل استيفاء كثير من الناس لحقوقهم في وقت يسير، وتوعية الناس بحفظ حقوقهم وتوثيقها في تعاملاتهم مع الآخرين قال تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا تَدَايَنْتُمْ بِدَيْنٍ إِلَى أَجَلٍ مُسَمًّى فَاكْتُبُوهُ وَلْيَكْتُبْ بَيْنَكُمْ كَاتِبٌ بِالْعَدْلِ) وجهات التوثيق لدينا تشهد نقلة كبيرة في إجراءات التوثيق الكفيلة في حفظ حقوق الآخرين، ولكن مع الأسف كثير يتجاوزها مستخدما الوسائل التقليدية التي قد لا تكون كافية لإثبات حقه عند مقاضاته.