خالد الربيعان
وُلد في ظروف صعبة جدًّا، من أب اسمه «شفيق»، مهاجر مسلم من البوسنة، استقر في السويد ليهرب من الحرب قبل أن يفكر في العمل ومواصلة الحياة! ووالدة مسيحية من كرواتيا.
الهرب من القتل، والسفر والترحال والفقر والمشقة والمعاناة، معانٍ تراها بسيطة، لكنها بالغة المرارة.. أنجب الزوجان وسط كل هذا طفلاً معجزة.. فضائيًّا.. كادرًا سينمائيًّا، يمكنك أن تتخيله لسحب الدخان والدمار والأطلال وحقائب السفر واليأس من الأمس، والقلق من الغد وسط ظلام دامس، فجأة يشقه أمل من النور!
أخرج شفيق وزوجته «يوركا جرافيتش» زلاتان إبراهيموفيتش!
انتهى ديربي الغضب منذ ساعات، والعالم بقنواته ومحلليه وصحفه و«انستقرامه» و«تويتره» رجعوا أجمعين لأرض الطليان والدوري المنسي السنوات الأخيرة! الذي أصبح جاذبًا للأنظار و«مستفزًّا» للمتابعة، لماذا؟.. لأن «رونالدو» ذهب ليوفنتوس! وحدث ما قلناه. إن هذا الرونالدو سيكون بوابة الرجوع للكالتشيو الإيطالي. وبالفعل جاء في إثره: المدرب كونتي وساري، وأتوا بلاعبين كلوكاكو وإيركسن وأليكسز، وأخيرا السويدي الفضائي زلاتان!
الديربي الأخير بين ميلان وإنتر كانت كاميراته تعتمد على هؤلاء النجوم. لا تدري لماذا؟ لأن الكاميرا «تعرف مصلحتها»، ومن مصلحة المشاهد والدوري الإيطالي معًا أن يرى العالم وجوهًا تضمن مزيدًا من النجاح التسويقي للبطولة! وهو ما يعني رعاة أكثر، ونجومًا تأتي أكثر، وحقوق بث تلفزيوني أعلى.. مباراة الدوري الإيطالي ثمنها الآن لتبث على التلفزيون 3 ملايين دولار تقريبًا، والأيام القادمة سيكون الرقم أكبر!
مارادونا في مكان بمفرده، معه بيليه وكرويف ورونالدو وميسي. أنا معك، لكن زلاتان في مكان آخر، أعلى أو أقل، أبعد أو أقرب، المهم أنه في مكان خاص له وحده، في مجرة بمفرده، فكر من كوكب آخر، بداية من التحرك البسيط في الملعب، حتى الانتقال من نادٍ لآخر. زلاتان لعب في تاريخه بيوفنتوس، ثم إنتر، ثم ميلان، ثم رجع له مرة أخرى، وفي سن كم؟ 38 عامًا!
له في المستطيل الأخضر 20 سنة. احترف بأكثر من 10 أندية في دوريات، هي المستوى الأخير والحلم لأي لاعب! الإيطالي والإسباني والفرنسي والإنجليزي. دعك من الأمريكي والسويدي. وفي أندية هي أيضًا «المستوى الأخير»! لو جمعت قيم انتقاله سيكون أمامك رقم هو 245 مليون يورو، أي إنه الأغلى على الإطلاق!
زلاتان ثروة قومية للسويد بلا جدال، الرجل له أغنية خاصة به! له فعل باللغة السويدية يُسمى «To Zlatan»، بمعنى التمكُّن والسيطرة. صاحب أعلى صفقة في تاريخ الكرة السويدية عندما انتقل من مالمو لأياكس بـ9 ملايين يورو بسن 19 عامًا!
ثروة تسويقية رياضية بمعنى الكلمة. له شراكات ورعايات بمقام نادٍ، مع شركات عملاقة مثل نيفيا، وإكس بوكس، وفولفو ودريسمان! له استثمارات لم يقم بها رياضي من قبل! منها شركة مياه بالسويد، تحمل اسمه، وهو رئيسها. وله على اليوتيوب لقطات دعائية، بها مقالب يقوم بها مع موظفيه!
له مليون و400 ألف متر مربع، تشكل «غابة» في السويد، وله كنيسة في ستوكهولم! ويستثمر أكثر من 60 عقارًا وشقة حول العالم. مشارك لأحد عباقرة البرمجة، وأطلق تطبيق للجوال لتسوق المشاهير. كتابه «أنا زلاتان» تم إصداره في 20 دولة حول العالم، وهو من أكثر الكتب مبيعًا، 8 ملايين يورو آخر أرقام مبيعاته منذ سنوات!
تغيير هوية الأندية الرياضية تستلزم كتابًا بمفرده للحديث عنها؛ لأنها عصب خطير في عملية الاقتصاد الرياضي، خطير لدرجة تحويل ليستر سيتي من فريق خاسر إلى بطل!
هذه الهوية تكلم عنها كارلو أنشيلوتي المدير الفني المخضرم لميلان وباريس وريال مدريد في كتابه القيادة الهادئة، عندما أتى به مُلاك باريس الجدد لم يجد أفضل من «زلاتان» ليغيِّر عقلية اللاعبين للفوز.. وكررها مورينهو عندما أتى به معه لمانشستر يونايتد السنوات الأخيرة ففاز النادي بثلاث بطولات في موسم!
تحدٍّ
ميلان فعل النقلة نفسها، ورأينا التأثير في ديربي ميلان الأخير؛ ليشهد على صحة إدارة وتسويق الكرة الإيطالية بداية من رونالدو إلى زلاتان، وقبل نهائي كأس إيطاليا اليوم ستجد فيه «زلاتان» و«رونالدو» وجهًا لوجه.. وهنا تحدٍّ -بيني وبينك- أن تفوّت المباراة ولا تشاهدها.. فهل تقدر؟!