شريفة الشملان
مع كامل تقديري واحترامي للقضاء، أريد أن أقول إن معرفتي عن القاضي أن لديه من القضايا الشيء الكثير، وأن كل قضية يكون وضعها وحيثياتها مختلفة عن الأخرى.
حيث تقدم له النيابة العامة لائحة الاتهام بالإضافة لشهود الإثبات، ومن ثم يقوم محامو المتهم بتقديم شهودهم، وما لديهم من تفنيد ونقض..
ربما نحن كمتلقين نرى أن القضايا تتشابه حوادثها، فيما تختلف الأحكام من قاض لآخر، ولكن هناك ظروفا قد يجدها القاضي ولا نعلمها.
المفروض في القضايا التي تعرض في المحاكم أن تكون بعيدة عن تداول الرأي العام والإعلام بمختلف وسائله، حتى يكون القاضي مستقلا عن التأثير، كل ذلك وربما الكثير الذي قد لا نعلم تفاصيله كلها تمر أمام القاضي. الذي يوازن ويقدر ويحكم.. وعادة قبل إصدار الحكم هناك فترات تطول وتقصر حسب القضية فما بالنا بالقضايا الكبرى التي فيها إفساد في الأرض وتعريض الأمن المجتمعي للخطر.
هذه المقدمة أراها ضرورية قبل أن ألج لقضية عرضت وصدر الحكم بها.
قضية الطفلة ذات الثلاثة عشر عاما، التي أصبحت قضية رأي عام لأن القاضي أصدر أحكاما يراها البعض مخففة جدا لقضية كبرى، وهي انتهاك عرض فتاة قاصر واستدراجها لاستراحة وتناوب اغتصابها من قبل ثلاثة رجال.
الحكم اقتصر على السجن مع وقف التنفيذ والجلد المخفف 200 جلدة، عندما نعود للنظام نجد أنه يعتبر التحرش لفظا أو لمسا فقط جريمة يعاقب مرتكبها عقابا ليس سهلا، فما بالنا باغتصاب طفلة، ابتزاز ثم استدراج وتناوب الاغتصاب والإخفاء. وهذا قد يدل على أن الاغتصاب كان يتكرر. في حين صدر قبل أشهر قليلة قرار يمنع تزويج من يقل أعمارهن وأعمارهم عن 18 عاما وهو سن الرشد. ليكون المتزوج أدرى بوضعه الاجتماعي والصحي. ويجري قبلها فحوصا للتأكد من السلامة من الأمراض المعدية وهو زواج شرعي، وعلى سنة الله ورسوله.
يا ترى أي أمراض حدثت للصغيرة وأي جروح صارت لها، جروح تندمل وأخرى لن تندمل وأي مستقبل ينتظر الغرة الصغيرة. هل سيحمل الرحم الصغير بذرة الجريمة.
الحكم عادة على الزانيين غير المحصنين اللذين ارتكبا الفعل برضا وقبول من الطرفين يكون سنة تغريب مع الجلد مائة جلدة، فما بالنا بالمغتصبين.
أظن أن طفلة الثالثة عشر أهملت من قبل أهلها منذ صغرها وتركت لعبة للصغار قبل الكبار، فهي خذلت من قبل ومن بعد فلو تنادى الأهل والأقارب لنصرتها منذ البداية لما حدث لها ما حدث. هنا أركز على دور الأم كيف لم تدرك مصيبة الصغيرة -إلا إذا كانت يتيمة الأم أو الأبوين- كيف لم تعرف من جلستها وحركتها والرعب في وجهها ما تعرضت لها صغيرتها، جسديا ونفسيا.
هل غابت الصغيرة عن المدرسة وكيف؟ هل أنبأت المدرسة ذويها بالغياب أم ترى أنها لم تصل قط لباب المدرسة ومن المسئول؟ وإذا كانت انقطعت أليس من حقها أن يبحث عن سبب انقطاعها وتركها الدراسة في عمر غض، علما أن الدراسة الابتدائية نظاما إلزامية على الجنسين.
هذه الصغيرة ظلمت في حقها على المجتمع ككل، الحكومة ممثلة بوزارتي التعليم والصحة عليهما رفع المعاناة عنها بعلاجها وعودتها للدراسة بمكان آخر وبمدينة لا تعرف قضيتها، حتى تبرأ جروحها.
أما الحكم فلن أناقشه مع أني أعرف أنه مؤلم، لكن القاضي ومن ثم محكمة التمييز أعلم مني ومن المنتقدين إذ يرون واقعا غير الذي نراه من جهة ومن جهة أخرى أن القضاء لا يجب أن نشكك به لأنه الحصن الأساسي للأمة..
والله الهادي الدليل ولا حول ولا قوة إلا بالله، وصلى الله وسلم على النبي المصطفى.