د. خيرية السقاف
حتى الرقم الذي تدوِّنه، الذي يخبرك عن يومك، الذي يذكِّرك بموعدك، الذي يستلهم ذاكرتك، الذي يستدر دمعك، الذي يثير كوامنك، يمكن أن يأخذك لمنعطفات موغلة في الوحشة، أو البهجة..
رقم يذكِّرك بموت، أو بفجيعة، بنجاح، أو بخيبة، بمرض، أو بمعافاة، بعثرة، أو بقفزة،
حتى هذا الرقم الذي أدوِّنه الآن عند الركن الأيمن من زاوية البدء لهذه الحروف يذهب ليسكن ذاكرتي بيومه، وعقده، وقرنه، ليكون جزءًا منها حين تستدعيه لتفضي يوماً آخر آتٍ بما كان فيه، حين يعبر رقمه مع الساقية، بالكثير الكثير الذي فيه مقروناً بالذات، بالآخر، بالكثير منهم، بالفضاءات وما تحوي، بتفاصيل الجدول، والسيل، والموج، والريح، والنهر، والمستنقع..
يذكِّرني بفقد نفر من الأقرب، بنجاح نفر من العامة، بأحداث تشاهد رأي العين، بدولاب يدور بالأفكار، والمدارك، بثمار تسَّاقط بها غصون، وبأوراق جافة تطوِّح بها ريح..
يذكِّرني بوجوه لا تغيب عن النظر، بأصوات تتردد على الملأ،..
بشجرتي الأثيرة التي غرستها البارحة، وبتلك التي قطفت زهورها الفجر،
بجزء من موسيقى عتيقة مرت بي الغروب فاستعدت معها دمعاً تبخر،
وتلك عند الفجر فاستلهمت بها رائحة شواء رغيف صار دماً في عروق..
الشاهد الرقم؛ ........
على ورقة تدوين، أو تقويم، تاريخ لآتٍ، أو توثيق لماض، أو إثبات لهوية..
بين الأيدي، وتحت النظر بموعد فرح، أو بشهادة ميلاد، بساعة موت، أو بوثيقة إنجاز، بإذن لقاء، أو بمقعد في مركبة رحيل، أو إياب!..
هذا الرقم واحداً كان أو أكثر، يرفع رصيداً، ويُدني مرتبة،
يُقصي لآخر «الطابور»، ويُجلس في الصف الأول،
يُبهج، ويُحزن، يُنقص، ويضيف........
لكنه بمقدار..
وحدها الأيام لا يتراجع معها، لا ينقص، بل يزيد،
دونما قدرة تغيِّر مجراه، أو تبدِّل مسراه..