م. خالد إبراهيم الحجي
إن تحقيق المساواة في الدخول بين جميع أفراد وطبقات المجتمعات في العالم غاية يصعب تحقيقها؛ بسبب اختلاف كفاءات العاملين وخبراتهم وطبيعة الأعمال التي يقومون بها. والتباين والاختلاف سنة الحياة في كل شيء، وتفاوت الدخول والأرزاق هو الشيء الطبيعي كما أخبرنا الله عز وجل في سورة الأنعام {وَرَفَعَ بَعْضَكُمْ فَوْقَ بَعْضٍ دَرَجَاتٍ} الآية (165).. وتقول مجموعة أوكسفام الدولية، وهي اتحاد كونفدرالي يضم 19 مؤسسة خيرية مستقلة تركز عملها على تخفيف وطأة الفقر العالمي، إن الفجوة بين دخول الفقراء والأغنياء في جميع أنحاء دول العالم زادت خلال الثلاثين سنة الماضية، وتفاقمت منذ عام 2001م؛ فحصل سكان العالم الأكثر فقراً على 1 % فقط من إجمالي الزيادة في الثروة العالمية، في حين أن أغنى 1 % من سكان العالم حصل على 50 %من الزيادة في الثروات.. وللأسف الشديد كلما تقدمت الثورة الصناعية، وتطورت الابتكارات التكنولوجية، وزادت اقتصادات الدول ونما وتطور حدث فرق كبير بين مستويات المعيشة في المجتمعات الريفية وبين المدن الكبيرة؛ وازداد الأغنياء في المدن ثراءً على حساب الفقراء، واتسعت الفجوة بينهم، وازداد الفقراء فقراً على فقرهم وانعكس على أحوالهم الاجتماعية؛ فساءت معاملة الأطفال، وتفكك الترابط الأسري، وكثر التشرد والبطالة، وعمَّ التسيب والاستهتار بالمستقبل، وانتشر العبث بالممتلكات العامة، وازداد تلويث البيئة والاعتداء على الحياة الفطرية، وتخريب الموارد الطبيعية.. ومن أكبر الأسباب الرئيسة في وجود الفجوة بين الفقراء والأغنياء وجود معدلات عالية من العاملين، تفوق حاجات أسواق العمل في العالم التي غرقت بمخرجات التعليم التي لا تلائم تخصصاته واحتياجاته، فزاد العرض على الطلب؛ فاستغل المستثمرون ورواد الأعمال التجارية والصناعية وأصحاب المؤسسات والشركات العالمية الوضع الاجتماعي والمهني؛ فخفضوا الأجور والمرتبات، وحققوا أرباحاً مرتفعة على حساب حقوق العاملين. وحتى الآن لا يوجد طرق علمية أو تكنولوجية عملية محددة يمكن توظيفها لسد الفجوة بين الفقراء والأغنياء، ولكن هناك محاولات لتضييقها وعلاج أسبابها بتحقيق الخطوات التالية:
(1): الاهتمام بإصلاح التعليم وتحديثه وتطويره لتناسب مخرجاته وتخصصاته احتياجات سوق العمل ومتطلباته، وتواكب سرعة تطور الابتكارات التكنولوجية في العصر الحديث.
(2): عدم استغلال رواد الأعمال التجارية والصناعية وأصحاب المؤسسات والشركات العالمية لارتفاع معدلات البطالة في أسواق العمل لتحقيق الأرباح المرتفعة لصالحهم؛ وذلك بإعطاء الأجور والرواتب المناسبة للعاملين، وتحسين أوضاعهم بالحوافز والمنح الإضافية على الدخل الأساسي والمكافآت والعلاوات السنوية الثابتة، لرفع مستوى أسر العاملين إلى المعايير المعتدلة والكافية للعيش الكريم.
(3): وضع حد أدنى للأجور والمرتبات في دول العالم يخضع لسلم إرشادي مثل سلم المرتبات للوظائف الحكومية حسب مجال كل عمل وتخصصه؛ كي يكبح هبوطه وتدهوره الناتج من كثرة العرض، ولا يتحكم فيه زيادة الطلب؛ فيكون ثابتاً ولا يقل أو ينقص عندما يكون عرض عدد العاملين المتقدمين للعمل كثيراً. وسن قوانين العاملين ووضع الأنظمة الاقتصادية التي تضمن حقوقهم وتحميها.
(4): دعم الزيادات في تكاليف منتجات المياه والطاقة عند رفع معدلات أسعارها؛ لتوفير الحماية المناسبة لأصحاب الدخول المنخفضة والمحدودة. ومثال على ذلك برنامج حساب المواطن السعودي الذي أنشأته المملكة العربية السعودية لتعويض تكاليف غلاء المعيشة.
(5): مساعدة الفقراء الذين يصنفون تحت خط الفقر العالمي من الآثار المالية المترتبة على التحول الرقمي والتعاملات الإلكترونية في سداد تكاليف الإنترنت اللازمة التي أصبحت ضرورة ملحة في الوقت الحاضر؛ لتفعيل الخدمات الرقمية التي يحتاجونها، مثل: أبشر وسداد فواتير المياه والكهرباء وغيرها من الخدمات الأخرى التي لا يمكن الوصول إليها دون الإنترنت.
الخلاصة:
إن تضييق الفجوة في الدخول بين الفقراء والاغنياء هي التحدي الرئيس في الاقتصادات المتقدمة في العصر الحاضر.