د. محمد عبدالله العوين
يلجأ عديد من الجماعات والفرق الدينية على اختلاف مشاربها وتنوّع خطاباتها وخفاء أو جلاء أهدافها من صوفية وإخوانية وسلفية وشيعية إلى استقطاب الأتباع والمريدين من خلال العزف على العواطف والمشاعر ورسم هالة من الإكبار والإجلال والتعظيم لمن اختارته الجماعة (رمزاً) تسعى من خلال التفاف الجماهير المستقطبة حوله إلى تحقيق غاياتها البعيدة في الوصول إلى كرسي الحكم في أية دولة، فمن خلاله تستطيع الجماعة اعتساف الناس وقسرهم على تنفيذ ما تؤمن به، ولو تأملنا تعظيم الجماعات المتصوّفة لرجال اتخذوا منهم وسطاء وشفعاء - حسب زعمهم - لرأينا العجب العجاب؛ فهم يقبلون أيديهم ويجثون أمامهم على ركبهم أشبه بالراكعين أو الساجدين - والعياذ بالله - يتوسلون ويتقربون بهم ويطلبون منهم الرضا لتحل عليهم البركة ويقدمون لهم الأموال عن طيب خاطر؛ نتيجة جهلهم وما غرسته الجماعات المتصوِّفة كالتبليغ والقاديانية الأحمدية والبهائية والشاذلية وغيرها على اختلاف مناهج العمل وطرائق التأثير في الغوغاء من شعوذة وجهل.
وقد رأيت مشهداً من مقطع فيديو لزعيم جماعة قاديانية في الهند وقد أحاطت به الجموع المحتشدة بعشرات الآلاف يتدافعون للوصل إليه لحظوة بلمسة يد منه أو تبرك بدعاء أو ملامسة رداء فلا يستطيعون فيقف على جسر مرتفع ويلوح بيده لعشرات الآلاف من الناس المتدافعين وبين أيديهم أطفال وعجائز وهو يلوح لهم فتتعالى الأصوات مبتهجة بطلته البهية ودعواته لهم!
أي جهل واستخفاف بالعقول واستهجان للمدارك والأفهام هذا التصنيم والتعظيم لبشر لا يملك الضر ولا النفع لنفسه؛ فكيف يمكن أن يدفع الضر أو يجلب الخير لغيره!
ولن نبرح الحديث عن هذه الترهات التي تؤلم قلب كل مخلص لأمته حسرة وأسى على غلبة الخرافات وهيمنة تغييب العقل إلا ونتذكر مأساة مرت بنا قبل أربعين عاماً حين استخدم الضالان جهيمان العتيبي ومحمد بن عبد الله القحطاني الرؤى والأحلام للوصول إلى تحقيق ما يطمحان إليه في هدم أسس الدولة وتقويض النظام السياسي وإسقاطه بخداع الجهلاء والمغفلين والتأثير عليهم بانتحال قصص كاذبة عن رؤى تواترت وأحلام تكررت بأنه قد حان أوان خروج المهدي المنتظر، وأن المدعو القحطاني تنطبق عليه الصفات المذكورة، ولحبكة القصة اختير أول يوم من السنة الجديدة من القرن الهجري الجديد موعداً لإعلان خروجه المزعوم في أطهر مكان وأقدس بقعة وهو الحرم المكي الشريف؛ لكي يكون أكثر تأثيراً، وفي ذلك كله دليل لا يقبل مزيداً من التفكير في أن خطة الخروج الدامية على ولي الأمر (سياسية) خالصة تبرقعت برداء ديني متهلهل توسلت به الجماعة للوصول إلى أهدافها، مما يضيف للدراسات النفسية هامشاً جديداً في كيف يمكن أن يصنع الإنسان من نفسه أوهاماً يكررها ويعيدها مراراً أمام الناس حتى تغدو أشبه بالحقيقة لا في وجدان من يتحدث إليهم؛ بل يكاد أن يصبح الوهم في نفس صاحبه حقاً بكثرة ترداده، وما هو إلا باطل يودي بمن يصدقه إلى الهلاك، وهو ما مُنيت به الجماعة الضالة وأتباعها المغفلون ... يتبع