د. محمد عبدالله الخازم
للجامعات وظائف عدة وفي أدبياتنا يتكرر التركيز على ثلاث؛ التعليم والبحث العلمي وخدمة المجتمع. التعليم والبحث قد يكونا واضحين، لكن خدمة المجتمع مصطلح مطاط ويثير سؤالاً أليس التعليم والبحث يخدمان المجتمع؟ لماذا نضيف وظيفة خدمة المجتمع؟
لكسر هذا التعريف النمطي أميل إلى تعريف يشمل خمس وظائف للجامعة كالتالي:
أولاً: التعليم ويشمل التدريس في برامج البكالوريس والدراسات العليا ولدى البعض توجد بعض البرامج القصيرة أو ما يعرف ببرامج الدبلومات أو التطوير المهني أو برامج كليات المجتمع. التعليم له شروطه وعناصره المطلوبة، بدءًا من توافر أعضاء هيئة التدريس القادرين على القيام بالعملية التعليمية وفق أسسها المتقدمة ووجود المناهج الجيدة وانتهاء بتوفر البنية الأساسية من مبانٍ ومعامل وأماكن تدريب وغير ذلك.
ثانيًا: البحث العلمي المتمثل في إنتاج ونقل المعرفة وفق الأساليب العلمية البحثية. وبالطبع كلما كان منظمًا ومؤسسيًا وتراكميًا عكس شخصية المؤسسة البحثية أكثر منه جهودًا فردية متجزئة...
ثالثًا: تقديم الخدمات ويقصد به تقديم الجامعة خدمة مباشرة للمستفيد. على سبيل المثال تقدم الجامعة خدماتها الصحية عبر مراكزها الصحية وتقدم خدماتها الزراعية عبر مشاتلها الزراعية وغير ذلك من الخدمات التي تقدمها بشكل تجاري أو مجاني... إلخ.
رابعًا: تكوين مجتمع جامعي أو أكاديمي، حيث مسؤولية الجامعة ليست محصورة في تقديم خدمات للمجتمع الخارجي بل في تكوين بيئة داخلية ذات أبعاد ثقافية، اجتماعية، أكاديمية، وترفيهية منظمة وبشكل مؤسساتي لمنسوبيها من الطلاب وأعضاء هيئة التدريس وبقية العاملين فيها. هذا الجانب تهمله الجامعات المحلية بحجة انشغالها بالتعليم وبالتالي لا نجدها مختلفة عن المدارس الأولية. أركز على هذا المحور وأهمية تكوين المجتمع الجامعي المتميز بحرية الفكر والنقاش والمناظرة والتجريب والإبداع، حيث إنه دون ذلك يصعب تحقيق التميز التعليمي والبحثي والخدماتي. هي مسؤولية الجامعة إتاحة مناخ فكري يتقبل الاختلاف ويسمح بتكوين الهيئات الأكاديمية والطلابية المدنية ويدعم برامج المسؤولية الاجتماعية التي تجعل من حياة الجامعة نموذجًا حياتيًا متميزًا وجاذبًا. الجامعة ليست مجرد قاعة درس، بل بيئة للفكر العلمي الاجتماعي والإنساني الخلاق...إلخ
خامسًا: التفاعل مع محيطها على المستويات المحلية والإقليمية والعالمية. هذا التفاعل يخلطه البعض مع الخدمات المباشرة التي تقدمها الجامعة ويسميه خدمة المجتمع، لكنني أفرق بين الخدمات المباشرة والتفاعل مع الحراك الاجتماعي والتطورات والتوجهات المحلية والإقليمية. هنا تأتي المبادرات فردية عبر تفاعل الأساتذة مع محيطهم أو مؤسسية عبر أقسام وكليات ومراكز الجامعة المتنوعة. الجامعات المتميزة تفتخر بوجود منسوبيها في اللجان الوطنية والمحلية ومشاركتهم في الفعاليات والمنتديات وقنوات الإعلام والحوار والتثقيف والتنوير المحلية والوطنية والإقليمية. الجامعات التي تحارب منسوبيها عند مشاركاتهم في الحراك الاجتماعي والثقافي والفكري هي جامعات منغلقة فكريًا، لديها نقص في الثقة في قدراتها وقدرات منسوبيها.
مستوى البيئة الأكاديمية لدى العديد من جامعاتنا وتفاعلها مع محيطها متدنٍ، ويؤثر ذلك في مستوى التعليم والبحث ويقود للانغلاق واستسلام الجامعة للترهل والسلبيات الإدارية والبيروقراطية. الجامعة أكبر من مجرد قاعة درس ومعمل والجامعات السعودية بحاجة إلى تنمية بيئتها الداخلية والتفاعل بشكل مؤثر وإيجابي مع بيئتها الخارجية.