محمد سليمان العنقري
ستتولى الهيئات الثقافية الجديدة التي أعلن عن تأسيسها قبل أيام إدارة القطاع الثقافي بمختلف تخصصاته وستكون ذات استقلال إداري ومالي وترتبط بوزير الثقافة ويبلغ عددها 11 هيئة، وهي من الخطوات الرئيسية للنهوض بالقطاع الثقافي وتنظيم عمله لتعزيز دوره بالمجتمع والاقتصاد فالثقافة من القوى الناعمة للدول ولها أدوار متعددة في التعريف بالمجتمعات وتاريخها وإرثها الثقافي الذي يقويها من شعوب العالم بالإضافة لانعكاسات اقتصادية إيجابية.
ففي فرنسا التي تعتبر من أهم الدول نضوجاً بقطاعها الثقافي من حيث التنظيم والمأسسة يساهم هذا القطاع بحوالي 3 % من الناتج الإجمالي إذ يبلغ حجمه حوالي 58 مليار يورو وعند إضافة الخدمات اللوجستية التي تقدم له فتبلغ مساهمته حوالي 105 مليار يورو سنوياً وفق دراسة نشرت العام 2017 م، أما عدد من يعمل بهذا القطاع فيصل إلى 670 ألف عامل يمثلون حوالي 3 % من إجمالي القوى العاملة في فرنسا، بينما تنفق الحكومة الفرنسية على القطاع الثقافي 13 مليار يورو سنوياً، أي أن الإيرادات تفوق دعم الدولة بأكثر من خمسة أضعاف. وبما أن فرنسا تعد هي دولة المقارنة الرئيسية عالمياً ويحتذى بها في تنظيم وحجم نشاط القطاع بالاقتصاد، فإن ذلك يشير إلى أن تنظيم وتفعيل وتنشيط القطاع الثقافي في أي دولة سينعكس موارد جيدة وتوليد فرص عمل عديدة للمواطنين.
وإذا ما اعتبرنا أن هذه الهيئات ستنشط لتحقيق أهدافها خلال السنوات الخمس أو العشر الأولى لها من تاريخ تأسيسها فإنها ستنعكس بمنافع عديدة منها وضع أنظمة لكل اختصاص ثقافي وإزالة العشوائية أو التشتت في إدارته وانعكاساته المحدودة حالياً كما ستطور من الكوادر البشرية العاملة بالقطاعات الثقافية لأنها ستضع معايير لرخص العمل لهم بالإضافة للمنشآت الثقافية التي سيقدمون من خلالها أعمالهم وكذلك الشركات التي ستعمل بالمجال الثقافي ستخضع لمعايير تحوكم أداءها ودورها في هذ القطاع وتعزز من تنافسيتها يضاف لذلك ما سيترتب على تنشيط القطاع الثقافي من زيادة الطلب على الخدمات اللوجستية وإضافة مصادر طلب من قطاع جديد بالاقتصاد المحلي. وصحيح أنه ليس الهدف أن نضع دولا معينة متقدمة بتنظيم القطاع الثقافي كمقارنة ونستهدف تخطيها بل المهم أن ننظر للمنافع التي حققوها ونعمل على الاستفادة من تجاربهم لتنعكس على تطور القطاع بالمستقبل المتوسط والبعيد.
النتائج المتوقعة من هذه الهيئات ومن القطاع الثقافي لا يجب استعجالها فثقافة المجتمعات تتطور عبر أجيال ونقلها للعالم يأخذ وقتاً لأن عامل الزمن رئيسي في هذه المعادلة فهو يعتمد على الكوادر البشرية المؤهلة، وهو أمر يتطلب وقتاً وجهداً كبيرين فالقطاع الثقافي اليوم يقف على أرضية قوية بموجب الدعم الذي تحقق له من الدولة إلا أن العمل بدأ الآن والتحديات ستكون كبيرة للوصول لأفضل أهداف ونتائج ممكنة.