عبدالوهاب الفايز
كنت أتمنى عدم استخدام كلمة (أسخف) تأدبًا معك عزيزي القارئ، ولكن قناة الجزيرة، (الدولة داخل الدولة)، أجبرتنا مضطرين لاستخدام كلمات لا تقال احترامًا للذوق العام، ولكن الحلقة التي بثتها الجزيرة وروجت لها وأطلقت عليها عنوانًا خداعًا (ما خفي أعظم)، وخصصتها لرواية قصة احتلال الحرم وجهيمان، واجتهدت بغباء، مشكورة، لكشف (حقائق أخفتها الحكومة السعودية)، وبنت الحلقة على وثائق وروايات فرنسية مزعومة تدعي أنها تكشف لأول مرة.
انتظرنا هذه الحلقة بالذات، وليس الحلقات السابقة، آملين كشف صفحة جديدة وحقيقية من التاريخ، وبعد بث الحلقة ومشاهدتها على اليوتيوب، قلنا: لا جديد، فكل ما قاله من يدعي أنه القناص والآخر الخبير الفرنسيين المشاركين في القوة الفرنسية أسبغا في حديثهما الكثير من الخيال وقالا القليل من الحقيقة.. والفرنسيون مبدعون في الخيال، وهذا ما يميز منتجات آدابهم وأفلامهم وأحاديثهم اليومية.
أما نحن السعوديون، فقد سمعنا الرواية الرسمية، وأيضاً استمعنا لقصص المشاركين في عمليات التطهير من الأقارب والأصدقاء والجيران، لا شيء يخفى على الناس إذا كان الأمر يمس الأمن والاستقرار ومصالح الدولة العليا.. لذا لا جديد لدى الجزيرة. الجديد أنها أعطتنا بتجنيها وأكاذيبها الفرصة لكي نواصل الدفاع عن بلادنا التي تسعى قناة الجزيرة في خرابها ولن تستطيع.
المتتبع بدقة لهذه الحلقة يتوقع أن النص كتب في أروقة الاستخبارات القطرية، وقيل للجزيرة أرسلي أطرف إعلامي لديكم في رحلة سياحية إلى فرنسا، وهناك الأمور مرتبة، فالهدف من الحلقة هو استمرار خطاب المشروع السياسي لأمير قطر الذي انكشف في الاتصالات المشهورة التي سربتها الاستخبارات الليبية، فالحلقة معدة لاستمرار الخطاب الموجه ضد السعودية، وضد استقرار المنطقة.
الحلقة الدعائية، وليس الوثائقية، عندما تحلل محتواها تجده يخدم الأجندة ذات الأهداف الثابتة التي عملت عليها القناة منذ تدشينها المشين. أولها استهداف السلام الاجتماعي في السعودية عبر اقتناص الفرصة أو صناعة الفرصة لإثارة النعرات القبلية والمناطقية والمذهبية، لذا استدعاء تاريخ أحداث الحرم يقدم المحتوى المناسب لاستمرار تحقيق هذا الهدف.
الهدف الثاني الذي عملت عليه القناة بثبات هو استهداف (الإدارة السياسية) للسعودية، حتى وصل الأمر إلى الملك عبدالعزيز، -رحمه الله-، وأمير قطر السابق كأن صرح في حواره مع القذافي عن سعيه لإنهاء حكم آل سعود.. والحلقة بأكاذيبها تضمنت تلميحات وتصريحات حول تخبط القرار السعودي في التعامل مع الأحداث سواء في الحرم أو في الاضطرابات التي عمت المناطق!!.
الهدف الأساسي الثالث الذي ظلَّت تعمل عليه الجزيرة وفشلت، (هدف جماعة الإخوان) هو: عدم كفاءة السعوديين لإدارة شئون الحرمين، وإدارة الشأن الإسلامي، ورواية الأحداث في الحلقة حاولت تزييف الحقائق ولي عنق الأحداث لتحقق هذا الهدف، والمضحك ادعاء قناة الجزيرة حول الرقم الذي تدعي الحلقة بأن الحكومة السعودية أخفته لعدد القتلى من المسلمين في الحرم الذي (تجاوز العشرين ألفاً كما تدعي!)، وهو ما تسترت عليه الحكومة السعودية، وتكشفه الجزيرة من خلال أكاذيبها!.
الهدف الرابع الذي عملت عليه الجزيرة ضمن أجندتها التخريبية هو الإيحاء أن السعودية تعمل لخدمة (مشروعات غربية) في المنطقة، وهذا يحقق للنظام القطري الغطاء السياسي.. فالمؤسف أن أمير قطر الأب حول بلاده إلى جسر عبور ومصدر تمويل لكل المشروعات السياسية المخربة في المنطقة، بالذات المشروع الإسرائيلي.. والجزيرة أول قناة فتحت المجال للسياسيين والإعلاميين الإسرائيليين لمخاطبة الوجدان العربي وتقديم رأيهم في الأحداث.
هذا المسار تم العمل على تحقيقه بكل (خبث)، وسوء نية وطوية، وليس بذكاء.. فالذكاء يستهدف البناء والتعمير، بينما أجندة الجزيرة كانت تستهدف الخراب، لذا كانت (صوت مشروعات الشر)؛ فالقناة تقدم الوجه الآخر المزيف الذي لا يعكس واقع قطر، لذا عندما نريد معرفة أحوال ومنجزات إخواننا المواطنين في قطر نذهب إلى التلفزيون القطري، فهناك (نرى ربعنا) بملامحهم وأصواتهم التي نعرفها ونحبها.
الجزيرة منذ انطلقت جلبت للإعلام العربي فوقية الخطاب الإعلامي المؤدلج، الذي يتبنى بخبث (وليس بذكاء) ادعاء الحيادية، وقناع الحيادية سقط في الأسبوع الأول لأحداث الربيع العربي، حينئذٍ أدرك العقلاء الذين لا يستعجلون ويقدمون حسن النية (أن وراء الأكمة ما وراءها!)، لقد أصبحت الجزيرة الصوت الصريح للتنظيم الدولي للإخوان المسلمين، وبقيت (حكومة قطر) ملتزمة بالتمويل، جهاز صراف، لمشروع التخريب في المنطقة!.
منذ انكشاف حقيقة دور الجزيرة، كثير من النخب الذين لا يريدون لأحد مصادرة عقولهم، تركوها وشأنها تحلق في فضاء الأكاذيب.. في الزمن العجيب، حيث (البُغاثَ بأرضنا يَسْتَنْسِرُ!).