إبراهيم بن جلال فضلون
الكمد من نعوت المُحبين، فهو أشد أحزان الأفئدة، لا يجري معه دمع.. ولا غير الأوطان غالِ على قلب بشر، ليصدق أمير الشعراء شوقي بقوله:
وطني لو شغلت بالخلد عنه
نازعتني إليه في الخلد نفسي
إذ ليس للكمد دواء إلا وصال المحبوب وسعادته وسمو مكانته واكتمال عافيته.. فانتصرت مصر على إرهابي دول مجتمعة بأشقائها كما انتصرت بحرب 1973م، بعدما عانت بلدانًا عربية من شرور إشاعات إعلامية وانهيارات وتفكك ألمت به من حتى جار أو شقيق، فتلك سوريا وطأتها أقدام الروس لتنهمك بين رمالها وما طهران منها ببعيدة وتركيا التي تستنشق غبارها لتكتم على أنفاسها وتئن أنين خيانة وغدر، كتُراهات ماسونية جهولة، بإرهاب عصابات لا دين له ولا وطن، فمن لسوريا؛ ومن سلب سعادتها وهدمها؟!!. كما أرادوا باليمن الشقيق، فكان التحالف العربي له بالمرصاد وتلك قوتنا.
إذاً علينا ألا نستمع إلى الأخبار السيئة، ولا إلى إرهاصات المُرجفين وتهويلاتهم، بل ينبغي أن نمنح أنفسنا ومن حولنا الأمل بمُقتبل أفضل، لكي نكسر السجن الذي أراد الأعداء أن يصنعوه حولنا. فبعد انتهاء حرب أمريكا مع كوريا قام الجنرال «وليام ماير» المحلل النفسي في الجيش الأمريكي بدرس واحدة من أعقد قضايا تاريخ الحروب في العالم، فقد تم أسر وسجن نحو 1000 جندي أمريكي في تلك الحرب في كوريا، ووضعهم داخل مخيم تتوافر فيه كل مزايا السجون العالمية، وكان مطابقاً للقوانين الدولية، ولم تكن تستخدم أساليب التعذيب المتداولة في بقية السجون، لكن التقارير كانت تشير إلى أن عدد الوفيات في هذا السجن أكثر من غيره من السجون. هذه الوفيات لم تكن نتيجة محاولة فر أو تعذيب، بل كانت ناتجة عن موت طبيعي! والسبب:
أولاً: كانت الرسائل والأخبار السيئة فقط هي التي تصلهم، أما الجيدة فلا. تتلوها: أن يحكي السجناء على الملأ إحدى ذكرياتهم السيئة حول خيانتهم أو خذلانهم لأحد أصدقائهم أو معارفهم. وآخرها: أن يتجسس كل سجين على زملائه وله مكافأة، مما شجع جميع السجناء على التجسس على زملائهم، لأنهم لم يشعروا بتأنيب لضميرهم، هكذا الغازي التركي يبعث برقيات تعزية لأسر شهداء جيشه ولم يرسل حرف عزاء لشهداء وطنه الداخلي، وهنا يُعزي إرهابه وأنانيته «نبع السلام»، بشمالي سوريا، لتطهيرها من إرهابيي «بي كا كا/ ي ب ك» و»داعش»، وإنشاء منطقة آمنة لعودة اللاجئين السوريين إلى بلادهم، وهنا السؤال أيها الحمقى.. من الذي هربَ الدواعش من مخيمات تركيا وسوريا وإطلاقهم؟!.
ومن الذي ضرب بقوانين العالم الواهية عرض الحائط، وكأننا عُدنا لعصر (الفتوة) بالأفلام المصرية... كل ذلك بحجة إحلال السلام لمن؟!.. لعودة اللاجئين السوريين أم تهديده لحمل 3.6 مليون مهاجر لأراضي القارة العجوز؟!! كيف ونبع السلام هجرت أكثر من 191 ألف نازح ومُهدداً لأكثر من مليونين آخرين.. على من يكذب ذلك الأحمق؟ وكأنه يُعاود كرات طهران وألاعيبها بل إنها مهاترات الإخوان وتنظيمها الدولي.. لنعترف أنها تمكنت من تركيا بعدما فشلت بعالمنا العربي فمن «القاتل».
لنأخذ الدرس ونعيه بدقة، حتى لا نصل إلى حد الموت الصامت «الموت كمداً». فإن كُنا اليوم لا نسمع سوى الأخبار السيئة، ونحن نتقبلها من دون وعي، ولا نفكر بعزتنا، وصرنا نحاول إسقاط بعضنا البعض كما تفعل دويلة قطر وغازية تركيا وبهلوله الإيراني بالخليج العربي أو بمحيطها الشرق أوسطي، وكأننا نعايش حال «العذاب الصامت» (سيندروم). ليعذبونا فيه حتى نموت كمداً، (وطن وراء الآخر)، فشلوا في مصر والسعودية والبحرين واليمن واليوم يريدوننا في بوطقة سوريا، وقبلها العراق ولبنان الذي فاض بالفساد، وانهكه حزب الله وحرس روحاني الإرهابي وعُثمانلية (قرد-غان) الهشة منذ أن تحالف مع الشيطان والإخوان، حتى (خيبة) السلام ضد وحدات حماية الشعب الكردية التي تعتبرها أنقرة إرهابية والمدعومة من الغربيين، لأنها كانت القوة الرئيسة التي حاربت جهاديي تنظيم «الدولة الإسلامية».
أنت أيها الغازي القاتل تقول: «لم تكونوا يوما صادقين. الآن يقولون إنهم سيجمدون ثلاثة مليارات يورو (وعدوا بها تركيا في إطار اتفاق حول الهجرة). هل احترمتم يوما وعدا قطعتموه لنا؟ لا». فهل وقع الغازي في شباك ترامب، كما ورطت سفيرة واشنطن في بغداد صدام حسين؟!..
وأخيراً: إن العقلية البشرية المنقادة وراء شعارات إخوانية إرهابية قبل الأفعال، هي قطعاً ستندم في المستقبل. وعلينا أيها العرب التعاضد والتكاتف، واستغلال كل معطيات العصر وعوامل القوة فيه، ومستجداته، لفرض وجودنا على الساحة الدولية، وتعزيز هيبتنا ونفوذنا، وضمان حقوقنا وسيادتنا واستقلالنا وكرامتنا... ولا أفضل من قول شوقي:
كُلُّ دَارٍ أَحَقُّ بالأَهْلِ إِلا
في خبيثٍ مِنَ المَذاهِبِ رِجْسِ
نَفَسِي مِرْجَلٌ وقَلْبِي شِرَاعٌ
بهِما في الدُّموعِ سِيرِي وأَرْسِي
وَاجْعَلِي وَجْهَكِ الفَنَارَ ومَجْرَاكِ
يَدَ الثَّغْرِ بينَ (رَمْلٍ) وَ(مَكْسِ)