أ.د.عثمان بن صالح العامر
أثار كورونا الصين الذي تزداد خطورته يوماً بعد يوم، بل ساعة بعد أخرى، وينتقل بسرعة مخيفة من مدينة لمدينة، بل من بلد لبلد آخر، أثار هذا الفايروس القاتل حقيقة وجود العدوى التي تعني انتقال الفايروس من مصاب به إلى سليم، إذ هناك من نفى وقوع العدو في عالم البشر مطلقاً مستنداً على حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم الصحيح المعروف: (لا عدوى ولا طيرة ولا هامة ولا صفر، ولا نوء ولا غول، ويعجبني الفأل)، ومحتجاً بدليل عقلي بسيط مفاده أننا لو قلنا بوقوع العدو لمات كل من احتك أو لقي مصاباً بهذا الوباء، وهذا النفي كما هو معلوم مخالف لما يقوله الأطباء والمختصون الذين يصنفون الأمراض حسب درجة احتمالية وقوع العدو فيعزلون ويفرقون - على هذا الأساس - بين المعدي منها وغير المعدي، بل - صاحب هذا القول - قبل هذا وذاك يعارض أحاديث رسول الله صلى الله عليه وسلم المعروفة التي تثبت وقوع العدو كالطاعون والجذام والجرب وغيرها، وقد اطلعت على ما قيل في هذه المسألة قديماً وحديثاً فوجدت في كلام سلف الأمة وخلفها خاصة ابن قيم الجوزية -رحمه الله- وسماحة الشيخ عبد العزيز بن عبد الله بن باز -رحمه الله- وغيرهما كثير ما يثبت حقيقة وقوع العدو باعتبارها سبباً من الأسباب، مع ربط هذا السبب بمشيئة الله وقدرته وإرادته طبعاً، وهذا هو منهج المسلم في جميع ما يجري في هذا الكون فهو يجمع بين الأسباب الكونية والسننية وبين الإرادة الآنية الحالية. وأما قول رسول الله صلى الله عليه وسلم: (لا عدوى.....) فهو نفي لها حسب فهم الجاهلية لها، الذين يغلبون الأسباب على الإرادة والمشيئة، وقيل نهي عن هذا الاعتقاد الباطل، ولعل من أقوى الأدلة على هذا الفهم للنص إيراد الطيرة والهامة والصفر والنوء والغول بعد ذكره عليه الصلاة والسلام العدو وكل هذه من معتقدات الجاهلية الربوبيين كما هو معلوم.
الذي أعرفه من خلال متابعتي لهذا الوباء أنه وصل لمرحلة خطيرة جداً، وخطورته تكمن في سرعة انتشاره وانتقاله من شخص لآخر (العدوى) وقد يصل الأمر إلى أن تضحي الصين بمدينة ووهان كاملة بمن فيها وما فيها من أجل أن تقضي على هذا الفايروس حتى لا يعم العالم - لا سمح الله- فالسكان في ووهان حتى هذه اللحظة تحت الإقامة الجبرية ولا يمكنهم الخروج من منازلهم لكي لا تحدث العدو بشكل أوسع. ومن أراد أن يعرف حقيقة وجود العدو من مثل هذه الفيروسات فليقرأ عن السارس SARS المتلازمة التنفسية الحادة الذي أصاب الصين أواخر عام 2002م وتولت أمر القضاء عليه المرأة التي أحرقت المستشفى بمن فيه، بالممرضين والدكاترة مع المنومين جميعاً، وكان الجيش هو الذي تولى العملية بكل تفاصيلها، وقبل أن يكون الإحراق كان الغذاء والأدوية تدخل لداخل المستشفى عن طريق سير مخصص لهذا الغرض كله خوفاً من العدوى، ولعله من هذا الباب بنت الصين الأسبوع الماضي مستشفى خاصاً بهذا المرض (الكورونا) من أجل عزلهم عزلاً تاماً عن غيرهم من البشر.
لقد صرَّح الرئيس الصيني قبل أيام بأن بلاده في خطر، وكلنا نعرف أن الصين دولة مغلقه وتخفي كثيراً مما يجري داخلها ولم يكن هذا التصريح - الذي سيؤثِّر بالطبع على الأسهم وحركة المال داخل الصين والعلاقات الصينية الدولية - لو كان الأمر يمكن السكوت عليه واحتوائه ببساطة، كل هذا جراء الخوف الشديد من العدوى التي هي ذات صلة بالأسباب التي أوجدها الرب في هذا الفايروس القاتل الذي هو علمياً كائن حي صغير معد، وجزماً سيؤثِّر هذا الداء متى انتشر أكثر مما هو عليه الحال الآن على اقتصاديات الصين في العاجل وقد يمتد الأثر ليشمل التجارة الدولية على وجه العموم.
عموماً العدوى أمر لا يمكن إنكاره ولا يعني القول بها نفي الإرادة والمشيئة الإلهية؛ فكل شيء في النهاية تحت إرادة الله ومشيئته سبحانه، دمتم بخير، وإلى لقاء والسلام.