عبدالعزيز السماري
يعد النظام المؤسسي أو الهيكل التنظيمي لمؤسسة ما مفتاح النجاح، ويتكون عادة من الأنشطة والمهام التي يتم توزيعها بين العاملين في المؤسسة للقيام بعمليات التنسيق والإشراف، لكنه في نهاية الأمر يخطط لإنتاجية محددة وإنجاز واضح، ويمكن هيكلة منظمة أو مؤسسة بطرق عديدة ومختلفة بحسب أهدافها، وقد تعد أكثر هيكلة تم تطويرها في التاريخ، وتحولت منتجاتها إلى أيقونة النجاح في هذه العصر..
لكن ذلك لم يجد له موقعًا في العقل العربي الإداري، الذي مازال يعيش في القرون الوسطى، ومن يطلع على كتب التاريخ في القرنين الثالث والرابع الهجريين في صدر التاريخ العربي الإسلامي، ويبحث في ملفات الحركة الإدارية في ذلك المجتمع، سيدرك أن الفئات العاملة والمنتجة كانت تتبوأ درك الطبقات الدنيا والهامشية في ذلك الوقت، فلم يكن لها صوت، ولم يكن لأعمالهم أو مصالحهم أي ذكر في ثقافة العمل.. النُخَب في المجتمع العربي الإسلامي القديم تنحصر في رجال (الفئة)، وفي الشعراء وأعوان القبائل والقادة والجند، بينما تعيش فئات وأعضاء المجتمع المدني العامل في ضائقة وأزمة خانقة منذ القدم إلى اليوم، فلا مؤسسات تكفل حقوقهم، ولا جمعيات تمثلهم أمام الفئات الأخرى في المجتمع، ولا إعلام يفسح لهم المجال للتعبير عن مطالبهم، ولهذا لا يوجد تاريخ للعمل المؤسسي في ثقافة العرب.. لم يستطع أحد حسب علمي أن يقدم تفسيرًا علميًا لعدم وجود تنظيمات إدارية تخدم المنجز، وليس العكس، وهو ما يجعل من أن السلوك الإداري قبلي بامتياز، وإذا لم نتجاوز هذه المعادلة، لن تتجاوز المجتمعات الشرقية العربية أزمتها التاريخية..
أزماتنا في التنظيم الإداري لم تتغير منذ الجاهلية، ولعل العامل الأهم هو صبغة القبيلة وهيكلها التنظيمي على مستويات إدارية متخصصة مثل الشركات الكبرى أو المؤسسات الخاصة والعامة، وهو ما خلق حالة من الانفصال بين طبقة العاملين وبين طبقات الإدارة أو القبيلة، وقد يفسر ذلك حالة التخلف التي تعيشها كثير من مجتمعات العرب في هذا العصر.
إذا لم نتخلص من نسق القبيلة في إدارة الشركة أو المؤسسة لن نتجاوز تلك الأزمات التي تعوق تقدمنا في اتجاه مؤشر النمور الآسيوية، فالعاملون وأصحاب الإنجاز في الدرك الأدنى من درجات الفاعلية في طبقات المؤسسة، مهما كان تأهيلهم عاليًا وإنجازهم مؤثرًا، وقد يسهم «الخواجة» في معالجة هذه الأزمة مرحليًا، لكنه لن يستطيع تغيير هذه المفاهيم في عقولنا، إذا لم نتغير أولاً..
في المجتمعات التي وصلت إلى المراكز المتقدمة في الاقتصاد والرفاهية والشفافية، أجادوا في مهمة التخلص من تلك الفئات التي تعيق إنتاجية الكوادر المؤهلة، ولو انتقل هذا النموذج القبلي في الإدارة إلى ناسا لتحولت إلى مؤسسة توزع المنافع والمناصب على أقرب وأصدقاء المدير العام.. فهل نبدأ رحلة التخلص من هذا النموذج القديم والبدائي من عقولنا، فالعقول المنجزة سترحل إلى الغرب، لأن بيئة العمل ما زالت تحكمها تقاليد مضارب بني عبس في الإدارة..