سام الغُباري
في هذه اللحظة التي يُثبّت الحوثيون دعائم سلطتهم العنصرية على مناطق سيطرتهم في 10 محافظات يمنية، فإن خطاب السلام يبدو مُروعًا، ذلك أن من ينادي به يقول لقرابة 18 مليون يمني أن عليهم البقاء خلف سياج مرير من العرقية الفجة، والقبول بقاتل مُدعٍ للمثالية كوليّ أخرق لا يكف أتباعه عن ترديد خرافة «إصطفاءه» الآثم.
هذا ليس وقت الأساطير، الصورة المعروضة عن «صنعاء» المحتلة ومثيلاتها من المحافظات اليمنية تكشف صراعًا مريرًا بين المواطن اليمني وأمعائه المحرومة من الطعام، الأطفال الذين تُجنّدهم الآلة الدعائية الحوثية لحروبها تُنبئ بكوارث استغلالهم كدروع بشرية في حرب يتعهد «عبدالملك الحوثي» علنًا، أنها لن تتوقف حتى تقوم القيامة!
ذلك العهد الشيطاني الذي لا يتورع عن مراكمة الجثث لا يتوافق مع رجل يُسوّق له سدنته بأنه «رسول جديد من الله»!، مُدّعٍ يسيطر بالمال والدعاية والعنف على ملايين اليمنيين الذين تضطرهم سوء أحوالهم للاستماع إلى نظريات سخيفة تدّعي أن قاتلهم «هبة الله»!، وأنه لا يختلف عن «رسول الله محمد صلوات الله عليه» في شيء سوى أن اسمه ليس «محمدًا» فقط!
الحوثيون جماعة عرقية مسلحة وعنيفة، استندت في تركيبتها القيادية وتشكيلاتها الإرهابية على عصبية خرافة «آل البيت»، بدأ الأمر بتأييد المراجع الزيدية العليا على تولية «عبدالملك الحوثي» زعيمًا لمذهبهم الذي يشترط في معايير الحاكم أربعة عشر مبدأ، أولها أن يكون «علويًا» ذكرًا. الزيدية التي ولدت في إيران، باغتت اليمنيين قبل ألف ومئتين سنة بذلك القانون العنصري الذي سلبهم حقهم المشروع في حكم بلادهم بأنفسهم، وصار نقيضًا مدمرًا لأي محاولة يمنية تُنشئ دولة يرأسها حاكم من خارج سُلالة العِرق العلوي.
على اختلاف الزمن وتقلباته، حين تسقط مملكة يمانية يكون الفاعل المباشر «علويًا»، يجمع أبناء جنسه ويغير على السلطة فينتزعها في لحظة ضعف، ثم يعد نفسه لمواجهة مميتة مع بعض رموز العائلات العلوية المنافسة التي شرّعت لها النظرية الجارودية - الهادوية أحقية الولاية طالما أن المؤهل لذلك المنصب ليس يمنيًا، وبتلك الكيفية المتكررة غرق اليمن في مستنقع نزاع متصل، لأنه بكل بساطة فقد قدرته على صياغة عهد دستوري يُجرم الهويات المضادة لليمن ولا يعتبرها «جزءًا من نسيجه الوطني»، ولأن مجرد تصريح الحوثيين أو أسلافهم بـ«يمنيتهم» سيُسقط حظوظهم في السلطة ويحولهم إلى أشخاص عاديين ليس لهم أي قداسة مغرورة!
من أجل ذلك يقاتلون باستماتة حفاظًا على موردهم الفكري اللاهوتي المتمثل في نظرية الولاية المنصوصة في مذهبهم «الزيدي»، ويرفضون باستماتة أيضًا قبولهم كـ«يمنيين» طبيعيين، يدفعهم ذلك إلى تصرفات اجتماعية عنصرية ترفض «تزويج اليمني من بناتهم» حفاظًا على «نقاء» عرقهم، وقد اخترعوا لهذا فتوى فقهية حرّمت بشدة أي علاقة اجتماعية طبيعية مع يمني محترم، لا لشيء إلا لأنه يمني فقط!
في ظل صراع اليوم المولود من رحم العنف التاريخي المعقد، تتعاظم مشاعر اليمنيين القومية في مواجهة آلة العنف العنصرية السُلالية - الحوثية، ويدفع الإعلام بالصوت والصورة ذاكرة الموت بتكرار تؤرشفه وسائل التواصل الاجتماعي، ويشتعل كل شيء، ويتحدث الغامضون بصراحة عن «عرقية واضحة» تُغلِف غطاء الحرب التي يشنها أغلب من ينتسبون إلى خرافة «آل البيت» على اليمنيين قهرًا وجبرًا وإذلالًا .
وحده «مجلس النواب» بعيدٌ عن الناس الذين انتخبوه، لا صوت يرتفع من أحدهم ليحكي بشجاعة مأساة تاريخ إجرامي لا يمل من تكرار مذابحه الدموية بذات الوتيرة والحماس على غالبية اليمنيين. حين يتوارى برلمان الأمة عن تأدية دوره التاريخي في هذه اللحظات المؤلمة فإنه يحكم على نفسه بتأدية دور زوج الملكة العاطل عن العمل، يتأنق الأعضاء المنتخبون ويتناقلون طرائفهم المعتادة للتسلية في مجموعات «واتس أب»، ثم لا يفعلون شيئًا سوى الهمس في أذنيك بأنهم «يتفهمون» جيدًا تلك المشاعر الغاضبة لليمنيين، ويربتون على كتفك بابتسامة مصطنعة، يشير أحدهم بيديه إلى زميله كالذي يقول «ما بال هذا؟»، ثم لا يجرؤون على قول حرف واحد، يتحججون بـ«السياسة». لكن «أرسطو طاليس» يخالفهم في كتابه الشهير قائلاً: إن لم تكن السياسة تعبيرًا عن الناس الحقيقيين فليست سوى خدعة يدفنها التاريخ ويمر الناس على ممثليها الحمقى بأحذيتهم البالية.
وإلى لقاء يتجدد
** **
- كاتب وصحافي من اليمن