حينما تغيب الشمس فإن من كان ينتظر شروقها هو أكثر من سيفتقدها، والشيخ عبد المحسن بن عبد الله الهريش التميمي نحسبه كان شمساً في سماء الخير، وقد حق عليه المغيب بالموت كسائر الخلق، لكن لحظات ما بعد غيابه تذكرنا بأنه رجل قدم للغير خيراً حتى آخر لحظة من إفاقته، ستلحظ أن يتم تشييع جنازته، ليس من جهة عدد المشيعين والمعزين فحسب فالألوف قد حضرت، وألم المصاب قد عم، والحزن قد حل وقول الجميع (إنا على فراقك يا أبا إبراهيم لمحزونون ولا نقول إلا ما يرضي الرب وإنا لله وإنا إليه راجعون، فاللهم اغفر له، اللهم ارحمه)، وإذ قد ترى مثل هذه الحال تكراراً إلا أن المبهر مع حالة الحزن، والتمايز المفرح مع وجود الألم، هو في تلك الظلال الوارفة لأعمال الفقيد الفاضلة كما نحسب -فاللهم تقبله عندك في الصالحين- وإذ ما يلفت ويختلف هو أنواع الناس ممن حضر وحزن لفقده، إذ لن ترى أفواج كبار الأعيان فقط، ولا أقارب الفقيد فحسب بل سترى وتلحظ ما يثري الحس ويؤثر في النفس حين اختلط الغني بالفقير والصغير بالكبير والبعيد بالقريب، ترى جموعاً غير متمايزة من القضاة والخطباء والأئمة والدعاة، والتجار والمسؤولين والقائمين على جمعيات البر ومتلقي الصدقات، وجمع غفير ممن عرف الفقيد وممن لم يعرف سوى ما كان يأتيه من فضل الله بما يقدمه له الفقيد - وبحول الله لن يعدمه بوجود أخيار هذه البلاد المباركة وبما سيمتد أثره بحول الله من أبناء الفقيد البررة وفقهم الله -، فيا لعجب حال من يحضر لتشييعه الفقراء، ومن يحزن على فقده البسطاء، رغم أنه يعد من علية القوم والوجهاء، إنها لمرتبة عالية وأي مرتبة نحسب أن حاله عند الله إلى خير، فما عرفناه إلا رجلا محباً للخير لديه قاعدة يسير عليها «لا تدع المحتاج دون مساعدة ولا تساعد إلا محتاجاً» ما يجعل الغبطة هنا تحضر لنشحذ هممنا أن نكون كما أحب لنا الله «رحماء بينهم» وكما وجه نبيه -صلى الله عليه وسلم- «لا حسد إلا في اثنتين رجل آتاه الله القرآن فهو يقوم به آناء الليل وآناء النهار، ورجل آتاه الله مالاً فهو ينفقه آناء الليل وآناء النهار) رحمك الله أبا إبراهيم وغمد روحك الجنة ، وقد كانت لديك كما نحسبك كلتا هاتين النعمتين، وكم وكم تعلمنا منك في جلسات نادرات ما فاق ما تعلمناه عند غيرك مدداً طويلات.
رحمك الله وتقبل ما قدمته من خيرات، وأبقاها لك صدقة جارية إلى يوم الدين ورضي عنك وأرضاك وجمعنا وإياك ووالدينا وذرياتنا ومن نحب مع رسوله -صلى الله عليه وسلم- في جنات النعيم والحمد لله رب العالمين.
** **
- عبدالله بن محمد اللحيدان