محمد آل الشيخ
حتى الآن لم يصل العالم المتفوق إلى علاج لفيروس كورونا، ولا إلى لقاح وقاية، من شأنه كبح جماحه. وفي مقالي يوم الجمعة تعرضت لنهج بعض الحمقى الصحويين ومن دار في فلكهم تجاه هذا الفيروس الذي يشي بوضوح أن ثقافة بعض المتشمتين بالصينيين هي ثقافة محدودة، ولا علاقة لها بالعصر، لذلك فشلت كل تجاربهم السياسية في تقديم نموذج سياسي واقتصادي قابل للبقاء في عالمنا المعاصر.
وفي هذا المقال سأتطرق بشيء من التفصيل إلى أضرار هذه الكارثة، التي لن تقتصر على الصين فحسب، وإنما ستطال آثارها التدميرية العالم بأجمعه، بما فيها بلاد المسلمين على وجه الخصوص، وهذا الأمر هو من زاوية أخرى يجعل العالم، كفاره ومسلميه، يعانون المعاناة نفسها، وكأنهم في قرية واحدة؛ بمعنى أن تقسيم فقهاء الأمس العالم إلى دار حرب ودار سلام انتهى وتلاشى بعد تشابك الدارين ومصالح الناس فيهما، بالشكل الذي لا يستطيع المرء التفريق بين دار حرب أو سلام.
الصين هي اليوم تعتبر ثاني أكبر قوة اقتصادية على وجه الأرض، بالشكل الذي يجعلها فعلاً لا قولاً إذا عطست أو أصيبت بجائحة يتداعى لها العالم أجمع بالسهر والحمى؛ فلا يخلو أي بيت في العالم من جهاز حتى وإن كان صغيرًا منتج في الصين، وأغلب هذه المنتجات الصينية رخيصة الثمن، بالشكل الذي يجعل أول المتضررين هم الدول الفقيرة أو محدودة الدخل، وأغلب هذه الدول هم - للأسف - من المسلمين، الذين يدّعي المتأسلمون المسيسون أنهم يناصرونهم. أضف إلى ذلك أن دول الخليج على وجه الخصوص سيكونون على رأس قائمة المتضررين ، فالبترول الخليجي والسعودي بشكل خاص يستورد منه الصينيون كميات كبيرة، بالشكل الذي يجعل انخفاض الطلب على البترول من قبل الصينيين يسهم إسهامًا جوهريًا في انخفاض سعره العالمي.
ولا يمكن حتى اللحظة توقع هذه الانعكاسات السلبية المدمرة لمرض كورونا، لأن العالم حتى كتابة هذا المقال لم يستطع معرفة كُنه هذا الفيروس، ولا تطوراته، ولم يتوصلوا إلى الإمساك بأي خيط من شأنه أن يؤدي إلى التفاؤل بإمكانية السيطرة عليه. فالثابت الوحيد أنه فيروس ينتشر بسرعة وشراسة، وأن ضحاياه في ازدياد مستمر، وأن فشل العالم في كبح جماحه ينذر بجائحة تدميرية لن ينجو منها أحد، بل إن الدول ذات الإمكانات الطبية المتواضعة، من المتوقع أن يعصف بها هذا الفيروس، فيما لو تسرب إليها، بالشكل الذي يشابه أوضاعنا في المملكة (سنة الرحمة) التي كما يقول كبار السن لم ينج منها كثيرون من سكان المملكة.
القضية كما قرأتها في غاية الخطورة، وكلما تأخر العالم المتفوق حضاريًا في الوصول إلى علاج أو لقاح يحد من انتشاره، فإن هذه المشكلة في تفاقم مستمر وليس في يد سلطات الدول إلا العزل لمنع المصابين بالفيروس من الدخول، وحتى هذه الوسيلة - كما يقول الأطباء - ليست مضمونة، فقد يتسرب الفيروس بأساليب أخرى غير متوقعة، فمدة حضانة الإنسان المصاب لهذا الفيروس ليست مؤكدة، فقد يحملها الإنسان مدة أطول من ثلاثة أسابيع، ولا تظهر عليه أعراضها إلا بعد أشهر، فكنه هذا الفيروس وأساليب انتقاله، وحضانته، وتشكلاته ما تزال ليست قطعية، وإنما احتمالية، كما أن الفيروس ذاته قد يتشكل بأشكال مختلفة لمجرد انتقاله لإنسان ما، بالشكل الذي يجعل المصابين به يختلفون من مصاب إلى آخر.
والأهم تداعياته الاقتصادية الخطيرة التي لن ينجو منها أحد، وهذه التداعيات تشير إلى أن سنوات عجاف بكل ما تعنيه الكلمة من معنى هي في انتظار العالم بشكل مؤكد. لهذا فإن تفرح البعض على الصينيين يدل دلالة مؤكدة أن مستوى وعي بعض السعوديين ما زال في غياهب الجهل والتخلف.
إلى اللقاء