د.ثريا العريض
السيدة كارول باحثة بريطانية، تعرفت عليها في زيارة رسمية لبريطانيا قبل ستة عشر عامًا حين تداخلت معي وقتها بأسئلة استيضاحية بعد أن قدمتُ كلمة مطولة عن خصوصية المجتمع وسماته وطموحاته وروافد إمكاناته ألقيتها في مؤتمر نظمته السفارة السعودية في محاولة جادة لتوضيح موقف وأوضاع المملكة بعدما لوّثت أحداث تفجيرات برجي التجارة في نيويورك سمعتنا عالميًا، وأثّرت في العلاقات التجارية والثقافية.
سبق للسيدة كارول أن زارت المملكة العربية السعودية قبل سنوات عديدة كجزء من اهتماماتها البحثية في شؤون الشرق الأوسط، وحضرت مؤخرًا لزيارة المملكة مجددًا للاطلاع على ما استجد مجتمعيًا ورسميًا بعد التغيرات الأخيرة التي حملتها رؤية التحول الشامل. وتنقلت في عدد من المناطق في رحلة سريعة الوقفات كان آخرها في المنطقة الشرقية. قالت لي بعد زيارة لمركز إثراء الثقافي في جوارنا بالظهران: ما شاهدته مذهل حقًا.. أكاد لا أصدق ما رأيته وعايشته، وما قرأته وسمعته من شهادات الآخرين حول الانفتاح الثقافي والترفيه ومحاربة الفساد وتمكين الشباب يؤكد ذلك. وسمعت أيضًا أن هناك فئات لم تتقبل التغيير وتشكك في طريقة تطبيقه. هل ترين هذا التغير قابلاً للاستدامة أم سيكون مثل حالة التشدد التي سبقته وضعًا قابلاً للتغيير؟ هل هناك إمكانية للعودة إلى ما سبق؟ أم ترين أنكم وصلتم إلى الوطن المثالي الذي سيكون الحلم الذي تحقق ليدوم؟ قلت: لا أظن أن العودة إلى الوراء هي حلم أي عاقل أو مفكر واعٍ. وحركة الزمن والفكر لا تعود إلى الوراء إلا بصورة مفتعلة ومؤقتة.. أما التوجه للأمام فهو التوجه الطبيعي لأي مجتمع حي. ولدينا من الإمكانات البشرية والمادية والطبيعية ما يدعم ذلك.
ولن أقول إننا وصلنا إلى الوطن الحلم. ولكننا نرجو أن نصل إليه بعد أن نزعت كثير من الأشواك والأسوار التي كانت تغلق الطريق إليه.
أما القول إن هناك فئات ترفض التحول وتقاوم تطبيقه وتشكك في قيمته فهي أيضًا ملاحظة صحيحة لأن كل من يستفيد بصورة استثنائية من وضعٍ ما يفضله ويتشبث به ويحاول جهده أن يبقيه قائمًا. وهذه طبيعة بشرية أنانية لا علاقة لها بالمثالية ولا المصلحة العامة ولا الشرعية الدينية. وإنما تستخدم شعارات المثالية والمصلحة العامة والشرعية الدينية كواجهة تستر الأنانية المؤسساتية والفئوية وحتى الأسرية والفردية التي تستفيد من أوضاع انعدام التوازن وضعف سلطة القانون أو انحراف السلطة والتهاون العام في تعديل الأعراف وضبط الممارسات.
نعم كثير منا يتفقون على أننا بحال إيجابي ويقرون لأنفسهم وللآخرين أننا نعايش عهدًا واعدًا بالمزيد من الاقتراب من الوطن الحلم المثالي؛ وكثير أيضًا من يختلفون حول خيارات ومنهجية ما يستحق التغيير حسب أولوياتهم الفئوية والفردية الخاصة، مفتقدين المرونة.
بلا شك ما ابتدأته القيادة من قفزات الانفتاح وتمكين المرأة وترسيخ الوسطية والعدالة والاعتدال إنجاز مذهل. واستدامة الحركة إلى الأمام ستتحقق كمستقبل مضمون متى ما اقتنع المتوجسون والخائفون أن مصلحتهم تخدمها مرونة التحول أكثر من أن يضمنها تحجّر التشبّث بماضٍ كان واضح الافتقاد للرضى الجمعي وبعيدًا كل البعد عن المثالية.