د. هيا بنت عبدالرحمن السمهري
أطلّتْ علينا المواسم السياحية التي أطلقتها بلادنا منذ بداية عام 2019، وقد توشحتْ بنكهات الفصول الأربعة لتحرر خطاباً ممهوراً تكتبه قلوبنا بأن بلادنا تحظى بحيازة الشموخ حتى في جغرافيتها فوق الأراضي الحرة المتوهجة بمودة غزيرة لوطن طموح وبين الجبال الشاهقة التي تحتضن بلادنا فتصبح جزءا من تاريخها حتى كاد جبل طويق يُسكِننا في كل تفاصيله عندما أنسنهُ سمو ولي العهد حفظه الله فكان [جبل طويق يشبهنا]؛ فمنذُ شتاء [طنطورة] في مفتتح عام 2019 توالت المواسم وانكشفتْ ْخلالها آثارٌ شوامخ في مسرد المدن السعودية، وتبدّى تراثٌ فني وشفهي عرضته بلادنا بتقنيات حضارية حديثة، وذلكم شموخ آخر يسْقُفُ نديا الصحارى الملتهبة بدفقات من وفاء القيادة الرشيدة التي أضاءتْ مشاعلنا أمام العالم فكفتهم الجهد في تخيّل الأماكن السعودية بجمالياتها وآثارها العريقة؛ وأعلنت ترنيمة سعودية جديدة فحواها [أهلاً بالعالم] بمستند رسمي وهو التأشيرة السياحية، حيث ربطت العالم بصور عن بلادنا فمنحتهم شعوراً يفوق مشاعرهم حين حلوا هنا! وحدّدتْ لهم المكان بحدوده في أعماق السعودية العظمى، وأسقطتْ عليه مشاعرها تجاه الحدث الفريد، وحفزتهم للإعلان أن التنوع التراثي المكتوب والمشاهد في بلادنا لا يشبهه أحد؛ وكأني بتاريخنا ينتزع تفاصيل دقيقة كانت تسكن الأزمنة أكثر من سكناها في الأمكنة؛ فلقد حفظتْ الذاكرة قصص حاتم الطائي الجواد العربي، حيث الكرم من مناقب العرب البيضاء المقتبسة من نار القِرى وحيث العطاء الإنساني الذي تراسل ووصل إلينا في كتاب وجداني أحبه الجميع؛ ومدائن صالح تلك المنحوتة في الجبال بمعايير هندسية دقيقة لم تتم بالرافعات إنما تمت بالأناة ونزوع الإنسان إلى مواجهة التحديات، وهناك قصور الدرعية العاصمة الأولى التي احتضنت الدعوة الإسلامية وتوطدتْ هناك دولة في العلياء شقت أبصار العالم هي بلادنا الحبيبة، وواحات الأحساء الخصبة، وما تربع من آثارنا في التراث العالمي ففي كل عام تسجيل عالمي جديد لرمز تراثي سعودي؛ فتشكّلت أمامنا صور للالتحام بين الذات والأمكنة ذات السطوة، فهي انطلاقات محفزة، وأردية وثيرة تمنح دفئاً يتجلى حين يقبض السياح على شيء جديد من صفحات التاريخ، وعلى خيالات أناس ما زالت أرواحهم في تلك الأمكنة تسكنها قصصهم وأساطيرهم.
ومن جميل القول أيضاً أن نذكر أن ثروة من تراث العرب الأدبي وقوفٌ على المنازل والديار، ولهم في ذكرها شؤون وشجون، ولهم في أوصافها وبكائها واستنطاقها رصيد جم من القول الرصين والبيان المبين، فقد ارتبطت أماكنهم بمتعهم المعروفة والمتفق عليها؛ وأصبحت حشداً من الطاقات الكامنة وأفقاً جميلاً تستنطقه الذات حين تروم التواصل مع تراث الماضي الشفهي، وتبقى السياحة في بلادنا ومواسم ارتياد الآثار والاستماع إلى تفاصيل حكايات الماضي كل ذلك مجيء مدهش لبلادنا في عهدها الجديد الفوار وكتاب تاريخ كبير يلفه حرير من الرمال ونقوش تكمن فيها روايات تترى عن حياة كانت تستحق أن تبقى وتروى فهي جديرة رغم الأزمنة أن تحظى بالتجدّد؛ وأن يكون هناك إستراتيجية متينة لاكتشاف المزيد من الآثار في بلادنا كما يجدر ببلادنا أن تملك من المعلومات حول المحتوى المتوفر لدينا فيوضا أخرى وتفاصيل أعمق وذلك من متطلبات السياحة ومواسمها القادمة بقوة؛ إضافة إلى وجود التأشيرة السياحية العالمية التي استصدرتها بلادنا حديثاً حيث تعتبر محفزاً للبحث عن المعلومة وتوثيقها ودراسة المنتج من الآثار والتراث المادي والشفهي والإبانة عنه من قبل المختصين في بلادنا، وأن تأخذ الآثار والتراث العمراني بنوعيه المادي والشفوي حيزاً في خطط الجامعات، وحتى تكون تلك الآثار رادفاً لتشكيل المكون الوطني الداعم للهوية السعودية لا بد أن تأخذ تلك الآثار ووجودها وتاريخها وتفاصيلها مكانها المناسب في المناهج الدراسية في التعليم فهنا وطن يستحق أن يراه العالم من خلال أبنائه فعندما يملك طلابنا المعرفة والشغف فإنهم سيكونون في صدارة خطاب العالم إشادة بالآثار والتراث في بلادنا.