حمّاد السالمي
* قال العرب قديمًا: (إذا طاح الجمل؛ كثرت سكاكينه). وحال جملنا العربي المعاصر؛ ليست بأحسن منها بالأمس. سقوط الجمل العربي العنيد الصنديد؛ بدأ منذ ثلاثة عشر قرنًا؛ يوم أن تمكن الفرس من مفاصل الدولة، فشرعوا في تقطيع وتفتيت أجزاء الخلافة العباسية، إلى أن تسلم الأتراك هذا الجمل العربي المنهك الآيل للسقوط، فأعملوا فيه سكاكينهم لمدة ستة قرون، لم يوقفهم عن شرب دمه، وأكل لحمه، ومص عظمه؛ إلا المرض. مرضت الخلافة العثمانية المحتلة لبلاد العرب بمعاول من العرب أنفسهم، أولئك الذين رضوا أن يكونوا خُدّامًا وأذنابًا على شكل حكام في الأقاليم. إن ما بقي من العهد القديم بين سكاكين الفرس وسكاكين الترك؛ هو جمل عربي هزيل، ظل يترنح يمنة ويسرة، غير قادر على الصمود والوقوف في وجوه من يذبح ويسلخ ويقطع ويمزق ويفتّت. ما أن زالت الخلافة المريضة البغيضة؛ حتى حل محلها الاستعمار الفرنسي والبريطاني، وبقي الجمل العربي تركة ضعيفة، وهدفًا للتقطيع والتمزيق حتى يوم الناس هذا.
* ماذا يجري في بلاد عربية مثل: (العراق وسورية ولبنان واليمن وقطر وليبيا) وغيرها؛ من إذلال واحتلال فارسي، ثم آخر تركي على غراره ونهجه..؟ لو أن الجمل العربي الشهير بالتحمل والصبر والقوة الذي قيل عنه: (سفينة الصحراء)؛ ظل صامدًا لم يسقط عند أقدام الأقزام من الفرس والترك سابقًا ولاحقًا؛ لما رأينا هذا العار والشّنار، الذي يحل بالعرب في عواصمهم وبحارهم، وبين ظهرانيهم، في عاصمتي خلافة العرب والمسلمين دمشق وبغداد، وفي (اليمن ولبنان وفلسطين وليبيا وقطر)، قبل أن تلحق بها دول وعواصم أخرى.
* ماذا تعني صولات وجولات قِردوغان في شمالي إفريقيا العربي.. وبأيّ حق تحل تركيته القِردوغانية حاكمة بأمرها في طرابلس الليبية ضد إرادة الليبيين..؟ قاعدة عسكرية تركية في طرابلس الليبية، وقاعدة عسكرية أخرى في الدوحة، وعساكر وطائرات وسفن حربية، ومرتزقة إرهابيون مموَّلون من قطر، وموجهون من أنقرة، يقاتلون ويقتلون الليبيين على أرضهم..؟؛ تمامًا مثلما فعل ويفعل الجيش التركي في سورية جنبًا إلى جنب مع الحرس الثوري الإيراني. بينما هناك سكوت مطبق من المجتمع الدولي، ومواقف غير حاسمة من جارتي ليبيا العربيتين -تونس والجزائر- وكأن النية مبيتة لمستعمرة تركية جديدة في ليبيا بعد سورية وقطر. هل نرى قريبًا قِردوغان القميء وهو يعلن من أنقرة سقوط ثلاث عواصم عربية هي: (دمشق والدوحة وطرابلس)..؟ ومتى يعلن عن عاصمة عربية رابعة تسقط في يده كما فعل من قبله زعماء إيران؛ وهم يفاخرون بسقوط (بغداد ودمشق وبيروت وصنعاء)..؟!.
* نعرف كيف تخلصت السودان من الاحتلال التركي الذي جاءها أواخر أيام البشير على ظهر حاكم قطر. ماذا تريد تركيا القِردوغانية من بلاد العرب وهي تغزوها قطرًا بعد قطر على خطى ونهج إيران الفارسية في عهد الملالي المعمّمين..؟ لماذا لا يتوجه قِردوغان بشعاراته البراقة، وأدواته العسكرية، إلى القدس وفلسطين؛ وهي الأقرب إليه من ليبيا وقطر وإفريقيا، ليحررها من الصهاينة المغتصبين..؟ أم أن الطريق إلى القدس يمر عبر (ليبيا واليمن وقطر)..؟.
* ألا يكفي هذا القِردوغان الحالم بخلافة تركية جديدة على حساب العرب؛ أن فكرة وعد بلفور المشؤوم ابتداءً؛ جاءت برغبة سلطانية عثمانية؛ لإيجاد وطن قومي لليهود في فلسطين..؟! نعم هكذا تقول (مذكرات وزارة الخارجية البريطانية).
* إن من يدرس تاريخ المنطقة العربية؛ قد يجد أكثر من تفسير لظاهرة الخيانات، وتعدد الولاءات في القطر الواحد. لقد تقاسم الفرس والترك على مدى عدة قرون؛ الجغرافية العربية، بمساعدة من بعض أهلها المتنفذين، الذين تحولوا إلى (علاقمة) في كل عصر، على حساب شرفهم وكرامتهم واستقلالهم. حدث قديمًا في اليمن، وفي العراق، وفي الشام، ويحدث اليوم أمامنا بكل بشاعة في (العراق وسورية ولبنان وفلسطين واليمن وقطر وليبيا). عندما ظهرت الجامعة العربية في القاهرة 22 مارس 1945م؛ برزت معها تكتلات ومحاور متضادة من بين أعضائها.
* يبدو أن الشهية التركية القِردوغانية المموّلة قطريًا؛ مفتوحة على احتلال بلدان وعواصم عربية جديدة كما فعلت إيران من قبل. لكي نفهم هذه السطوة التركية القِردوغانية على العرب بالذات؛ ؛ يجب أن ندرس تاريخ التبعيّات العربية أولاً، وأن نعرف أننا أمام ثلاثي شيطاني يتربص بنا على الدوام هو: (إيران وتركيا والإخوان).