د. حمزة السالم
من يذكر الصحاف؟ وزير إعلام الديكتاتور الهالك صدام حسين. كان الصحّاف كذاباً، مكشوف الكذب، ومع ذلك كان له أتباع يصدقونه، كما كان له جمهور عريض من المعجبين بظرافته وتهريجه. فالكذب درجات، وكذب الصحاف كان من أهون الكذب، فهو يعلم أنّ الناس يعلمون أنه كاذب، وكذبه كان نوعًا من التهريج، وهو قد لبس لباس المهرج، من أول يوم عُين فيه وزيرًا لإعلام الطاغية.
لم يكن الصحاف أحمقًا، ولكنه كان يعلم، أنّ أوضاع العرب المأساوية، قد أفرزت بعض الحمقى والمحطمين والموسوسين، الذين لا يريدون سماع إلاَّ ما يوافق أحلامهم ووساوسهم، ولا تحركهم إلاَّ الأكاذيب.
وما لم يتوقعه الصحاف، أن يُنجيه كذبه هذا من بطش الأمريكان. فقد أخذ الأمريكان أكاذيب الصحاف مأخذ الهزل والضحك، حتى أحبوه وصار مادة، استندروا بها.
وأعتقد أن استظراف الصحاف لكذبه شبيه نوعًا ما بالتغزل في الحسناء لغدرها.. قال المتنبي:
إذا غَدَرَتْ حَسناءُ وفّتْ بعَهدها
فمِنْ عَهدِها أن لا يَدومَ لها عَهدُ
العلج وصف للأحمق الغليظ البدن غليظ العقل غليظ المعاملة، وقد استخدمه العربُ في وصف رجال الروم به، واستخدمه الصحاف في نعت الأمريكان الذين كان يزعم أنهم ينتحرون على أبواب بغداد.
ولذا ليس عجيباً بأن يُعجب البعض بالصحاف وعلى رأسهم الأمريكان -علوج الصحاف- ويعتبرون كذبه تهريجاً وظرفاً. وعلى هذا، فمتى أصبح محبو الكذاب علوجاً، عربيًا كان أو أعجميًا، أصبح الكذاب ظريفًا. ولذا يكثر الكذب ويعظم في رجال الدين، إذا ضمنوا بأنّ أتباعهم علوج لا يتفكّرون، وإذا تفكّروا لا يفهمون، وإذا فهموا لا يعقلون، وإن عقل أحدهم قاموا فأغلظوا عليه - بمقدار غلاظة عقولهم وأخلاقهم - فعقلوه، فعاشوا علوجاً وماتوا علوجاً.
مهما شرَّق الإنسان أو غرَّب متأمّلاً في الأمم الأخرى والثقافات المختلفة، لوجد أنّ الجامع الذي يجمع بين علوجها كلهم هو كونهم علوجاً. ويُعرف العلج - حسب تعريفه في المقال - بأنه لا يحسن النقاش، ولا يأتيك إلا بأقوال سمعها من غيره، وتقبلها بإذعان دون تفكير أو تحليل.
وزبدة الكلام، أن الكذب فعل قبيح ودنيء، مزحه وجده، أكان من سياسي أو إعلامي أو من متنافسين، وسواء أكانوا أنداداً أو أضداداً، أو متحاكمين. فالكذب صفة تدل على خساسة طبع صاحبها، وتدني كرامته، وسوء أدبه، ولذا قالوا:
لا يكذب المرء إلا من مهانته
أو فعله السوء أو من قلة الأدب
لبعضُ جيفة كلب خيرُ رائحة
من كذبة المرء في جدّ وفي لعب
في الصحيح عنه عليه السلام «وإنّ الكذب يهدي إلى الفجور وإنّ الفجور يهدي إلى النار، وإنّ الرجل ليكذب حتى يُكتب عند الله كذاباً»، وفي الموطأ قيل لرسول الله صلى الله عليه وسلم: «أيكون المؤمن جباناً، فقال نعم، فقيل له أيكون المؤمن بخيلاً؟ فقال نعم، فقيل له أيكون المؤمن كذاباً؟ فقال لا».