د.عبد العزيز الصقعبي
اجتمع ثلاثة رجال وقرروا أن يقدموا عرضاً مسرحياً، سبق لأحدهم أن حضر عرضاً مسرحيًا في دولة عربية، حدّث صديقيه الاثنين عن ذلك العرض، بدءًا من شراء تذكرة الدخول والتي توضح مكان مقعده، قال إنه اختار الصف الثالث في الوسط، وتلك المقاعد أعلى سعراً من المقاعد التي تكون في الخلف. قَدِم لموقع المسرح قبل بداية العرض بنصف ساعة، بعد أن أخذ تذكرة الدخول اتجه إلى قاعة يوجد بها رجال ونساء بعضهم وقوف، وآخرون على كراسي وأمامهم طاولات صغيرة، يشربون الشاي، والقهوة، بعضهم يدخن، وآخرون يناقشون قضايا مختلفة. قرر أن يأخذ كوب شاي، جلس على مقعد صغير وبدأ يراقب وينتظر مع بقية الناس، فتح أبواب المسرح للتوجه إلى المقاعد.
بعد دقائق جلسها، وبعد أن انتهى من كوب الشاي، توجه مع أولئك الناس إلى قاعة المسرح، استقبله رجل عند المدخل واطلع على تذكرته وأشار إلى مكانه، جلس، كانت القاعة مضاءة، سمع طرقات عدة، مع خفوت الضوء، اتجهت عينه للأمام، لتقابله ستارة حمراء غامقة، عمّ الصمت، وبدأت مقدمة المسرحية الموسيقية مع فتح الستارة، صفق الجميع، وبدأت المسرحية، وكعادة أغلب المسرحيات التجارية الأبطال يأتون متأخرين مع صخب موسيقي ليستقبلهم الجمهور بعاصفة من التصفيق تطول أو تقصر حسب نجومية الممثل. تمنى ذلك الرجل لو كان هو ذلك الممثل، حدّث صديقيه عن وقائع المسرحية وحكايتها التي لم تكن بذلك العمق ولكن كانت مسلية بل مضحكة وبالذات عندما يخرج البطل عن النص وهذا يكرره يومياً في كل عرض، وأخبر صديقيه أنه عندما يتم الإعداد لتقديم عرض مسرحي سيكون هو الممثل البطل، مؤكداً أنه سيجعل الجمهور يستمتع ويعجب بتمثيله.
ثاني الثلاثة أخبر صديقية أنه سبق أن شارك في تنظيم حفل مدرسي وساعد مخرج الحفل في تقديمه مسرحية مستوحاة من التاريخ القديم قام بها بعض التلاميذ، كانت تجربة مفيدة له عرف كيف يستخدم إضاءة مسرح المدرسة المتواضعة، وكيف يختار ملابس مناسبة للعرض، والأهم حركة الممثلين على خشبة المسرح، بالطبع هذا الرجل شاهد عددًا كبيرًا من المسرحيات التي عرضها التلفزيون، إضافة إلى مشاهدته عددًا كبيرًا من الأفلام السينمائية، بثقافته البصرية تلك قرر أن يكون مخرج العرض المسرحي. ثالث الثلاثة، قد بدأت علاقته بالمسرح من خلال النصوص التي شغف بقراءتها، لم يكن الأمر متاحاً ليشاهد العروض المسرحية بالذات العالمية، ولكن من خلال قراءاته توطدت علاقته «بغودو» وبيكت، وعدد كبير من شخصيات شكسبير، وغيرهم من نجوم المسرح العالمي والعربي، وتمنى أن يوقد شعلة الحوار من على خشبة المسرح لتنتقل إلى الجمهور ويتوسع نطاقها، مستشهدًا بمقولة سعد الله ونوس «نحن محكومون بالأمل»، شاهد بعض العروض المسرحية، وأخبر صديقيه أن المسرح وُجِدَ ليرتقي بالإنسان، وينمي ثقافته ويهبه المتعة، فكان قراره أن يكتب نصاً مسرحياً.
عَرَفَ كل واحد موقعه في المشروع المسرحي، وبدأ جدل بينهم، هل يبدأ العرض من الممثل فالمخرج وأخيراً الكاتب الذي يقوم بصياغته وتقديمه بصورة نهائية، أم يبدأ بالكاتب الذي يكتب النص راسمًا شخصية تناسب صديقه الممثل ليقوم المخرج بتنفيذها، قرر الكاتب أن يكتب نصاً مختلفاً يتميز ببطولة جماعية، وهنا اعترض الممثل راغباً أن يكون النص «مونودراما» ليكون هو الممثل الوحيد في العرض المسرحي، وافقه المخرج على هذا الرأي، وقال من أين نأتي بممثلين، وممثلات، نحن الثلاثة نستطيع أن نقدم عملاً متميزاً، لكن الممثل عقّب متراجعاً عن رأيه، لكن هذا العمل لن يكون جماهيرياً غالباً، وأكد أنه يريد أن يكون معه أكثر من ممثل وممثلة ليستمتع بالخروج عن النص مثل ذلك البطل المشهور، ويسخر منهم أمام الجمهور ليضمن التصفيق، ليقول الكاتب، هذا يعني أنك لن تتقيد بالنص، ليجيبه الممثل، وهل تقيد أبطال المسرحيات الجماهيرية بالنصوص المكتوبة، ليتدخل المخرج قائلاً، هذا يعني أن تمثيلك سيكون ارتجالياً خارج النص، ليرد عليه المخرج قائلاً إذا أنت لا تحتاج إلى كاتب ولا مخرج ستكون مثل أولئك الذين يقدمون «ستاند أب كوميدي» يقف أمام الجمهور ويطلق مجموعة من النكات ليضحك الجمهور، ليعترض الممثل قائلاً «لا.. أنا أحب المسرح وأرفض التهريج»، ثم قال للمؤلف، «أكتب نصاً مسرحياً جيداً، ليكن خالداً، وسأشارك وفق الشخصية التي تناسبني»، ارتاح المخرج لهذا الكلام، ليقول المؤلف بعد صمت «من أين نأتي بالجمهور.. بل هل سنجد من يعترف بممثل ومخرج وكاتب».