هناك في قرية صغيرة في شمال فرنسا وبالقرب من غابة، ينتصب منزل أبيض أشبه بكوخ، تلتف حوله انحناءات بيضاء، وكأنها تبعث رسائل سلام من شاعر شاب ناهض الحرب ووحشيتها بقصائده.
ذلك المنزل الأبيض الذي تتردد بين جنباته قصائد مبتلة بالألم ليس إلا نصباً تذكارياً للشاعر الضابط البريطاني ويلفريد اووين، أشهر شعراء الحرب العالمية الأولى.
كان ويلفريد اووين شاعراً شاباً بدأ تتفتح قريحته الشعرية الغضة للحياة، وكانت الحرب العالمية الأولى تندلع بشراسة. ينضم ويلفريد لقوات الحلفاء في الجبهة الغربية.
تتربص به قذيفة، تهز إحساس وخلايا الشاعر الشاب، يصاب بانهيار عصبي، يُرسل للعلاج في أحد مستشفيات أسكتلندا الحربية، وهناك يلتقي الشاعر ساسون وتنشأ بينهما صداقة حميمة، ينصحه ساسون بتوثيق وحشية الحرب في قصائده.
يكتب اووين قصائده مصوراً أهوال الحروب. لتصنف قصائده من أعظم قصائد الحرب.
كتب اووين عدة قصائد، ولكن تبقي قصيدة (عبث) التي كتبها عام 1918 تحمل نغمتها المختلفة، إنها تجسد عبثية الحرب في مواجهة الموت.
تبدأ قصيدة (عبث) بمشهدية مؤلمة ومرعبة، جندي مجهول يستلقي ميتاً بين الثلوج في فرنسا، ينقل زملاؤه جسده بالقرب من الشمس لعلها توقظه ولكنها لم تستطع.
في الرابع من نوفمبر 1918، وقبل توقيع هدنة وقف الحرب بأسبوع فقط، يعبر اووين بالجنود قناة في شمال فرنسا، في قرية اورس الصغيرة، وهناك وهو يشجع زملاءه علي العبور تفتك به طلقات نارية ويقتل.
تتوقف الحرب، تقرع الأجراس، يعود الجنود الأحياء لبلدانهم، يحملون بكاء ذاكرة مثخنة بالفقد، تنتظره أمه فلا يعود، ويبقى هناك بين بياض ينادي للسلام، لترتفع من فرنسا صوت وموسيقى قصائده المناهضة للحروب لكل العالم.
*أطلق فيلم في عام 2018، بمناسبة مئوية الشاعر ويلفريد اوون يتناول سيرة حياته، وحقق العديد من الجوائز.
** **
- تركية العمري