سلمان بن محمد العُمري
الاطمئنان واليقين هو ثمرة من ثمار الإيمان الصادق بالله عز وجل، ومن ثمرات العقيدة الراسخة التي ملأت القلب، وهي من حقائق الإيمان ومن آثاره. وتتبين في الأقوال والأفعال على النفس وراحة البال، ومن نتائجها أيضاً مع الآخرين الإيجابية والبناء والمحبة والإخاء على الرغم مما قد يواجه الإنسان من كبد ومشقة في بعض الأمور، ومن رُزق إيماناً راسخاً ويقيناً صادقاً تجده في سعادة وطمأنينة حتى في أحلك الظروف، لأن إيمانه الصادق يجعله يتمثل صورة المؤمن الحق الذي إن أصابته سراء شكر وإن أصابته ضراء صبر.
والقنوط واليأس والضجر والتذمر والسخط والإرجاف والخوف وسائر المصطلحات المرتبطة بالنفس غير المطمئنة تجدها لدى ضعفاء الإيمان الذين رغم ما أنعم الله عليهم تجدهم في قلق وخوف، فالذين آمنوا وعملوا الصالحات يوصي بعضهم بعضًا بالصبر ويؤمنون بالقدر خيره وشره، وهذه هي العقيدة المكينة التي ينبثق منها كل خير، وبالإيمان تنشرح الصدور وتيسير الأمور ويتصدى للشرور، وهذا الإيمان إذا وقر في القلوب استقرت ورضيت وأطمأنت، وكم رأينا من أناس جرت عليهم من المشكلات والحوادث وصروف الدهر ونكباته الشيء الكثير، وحينما تلقاه تجد الابتسامة على وجهه وكأنه أسعد الناس، وأنه لم تمر به مصيبة ولا يعاني ضائقة، في حين أنك تجد البعض قد أوسع الله عليه في الرزق وليس لديه ظروف أو مشكلات ومع هذا فتجده في قلق دائم وخوف من المستقبل، ويعيد ويجتر ما مر به من سنين من مواقف وأحداث، وقل أن تجد الابتسامة على محياه بل تراه مقطب الجبين شاحب الوجه لا يعرف إلا الخوف ولا يبصر إلا القلق ولا يرى إلا الشك وكأنه يرى أن قيامته ستقوم غداً.
قرأت أثراً جميلاً عن أبي عبدالرحمن العُمري، وهو الإمام الزاهد العابد أبو عبدالرحمن عبدالله بن عبدالعزيز بن عبدالله، صاحب رسول الله -صلى الله عليه وسلم- وعبدالله بن عمر بن الخطاب -رضي الله عنهم أجمعين- يقول: «كنت جنيناً في بطن أمي ويؤتى برزقي حتى يوضع في فمي، حتى إذا كبرت وعرفت ربي ساء ظني فأنى عبد أشر مني». موسوعة ابن أبي الدنيا.
هذا هو صدق التوكل على الله عز وجل، فمن توكل على الله كفاه ومن لجأ إليه آواه، ومن اعتمد عليه حماه، وهذا هو المثال الذي يجب أن يحتذى ويُقتدى، وهو صدق اليقين والثقة بالله عز وجل {قُلْ هُوَ الرَّحْمَنُ آمَنَّا بِهِ وَعَلَيْهِ تَوَكَّلْنَا}. والتوكل على الله عز وجل لا ينافي السعي في الأسباب التي قدرها الله تعالى وجرت سنته في خلقه عليها، والله سبحانه وتعالى أمر بتعاطي الأسباب مع أمره بالتوكل، فالسعي في الأسباب بالجوارح طاعة، والتوكل بالقلب على الله عز وجل عبادة وإيمان، وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم: «المؤمن القوي خير وأحب إلى الله من المؤمن الضعيف وفي كل خير».
وقد لقي عمر بن الخطاب رضي الله عنه أناساً عاطلين فقال: من أنتم؟ قالوا: نحن المتوكلون، قال: بل المتواكلون، إنما المتوكل الذي يُلقى الجنة في الأرض ويتوكل على الله. قال تعالى: {وَنِعْمَ أَجْرُ الْعَامِلِينَ الَّذِينَ صَبَرُواْ وَعَلَى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ}.
إن من الناس من يبذل الأسباب ويتعلق بها، وهناك من حرم من العمل بالأسباب وحرم اليقين وصدق التوكل، وهذا خلاف ما عليه المؤمنون الذين يعملون بالأسباب، ويتوكلون على الله عز وجل ويؤمنون بالقضاء والقدر، وأن الله الذي أعطى ووهب وهو من يأخذ ويمنع ويقبض، ومن مقتضى الإيمان بالله عز وجل الإيقان الجازم والاعتقاد بأنه لا ضرر ولا نفع إلا بإذنه، ويتخذ من الإيمان بالقدر وسيلة إلى تحقيق الغايات الكبرى من الأعمال والمقاصد العظمى والأهداف والمصالح، فيقاوم الفقر بالعمل، ويقاوم الجهل بالعلم، ويقاوم المرض بالعلاج، وتقاوم المعاصي والذنوب بجهاد النفس والعبادة والطاعات.