الرياض- خاص بـ«الجزيرة»:
من الصفات السيئة التي ذمها الله ورسوله «الكسل» الذي يعد من صفات المنافقين، ويكمن خطره في أداء العبادات، وفي أداء الواجبات.
والرسول صلى الله عليه وسلم حث على العمل والمسارعة إلى الخيرات والبعد عن العجز والتكاسل.
وفي ظل المتغيرات الحياتية الحديثة المتسارعة أضحى الكسل من العادات التي تصاحب الإنسان حتى أصبحت الصفة السائدة الآن بين كثير من الأفراد في المجتمع.
«الجزيرة» التقت بمجموعة من أهل الرأي والاختصاص، ورصدت رؤاهم حول السبل الكفيلة للتخلص من تلك الصفة الذميمة، والعلاج الناجع للحد منها، وكانت الحصيلة التالية:
الاستعاذة من الكسل
بداية يبين الشيخ سعود بن زيد بن سعود المانع، رئيس مجلس إدارة جمعية تحفيظ القرآن الكريم، وخطيب جامع الأمير سلمان بن محمد بمحافظة الدلم: أن من الأشياء التي كان يستعيذ منها النبي وأمر بالاستعاذة منها (الكسل) فكان من دعاء النبي صلى الله عليه وسلم: (اللَّهُمَّ إِنِّي أَعُوذُ بِكَ مِنَ الْهَمِّ وَالْحَزَنِ، وَالْعَجْزِ وَالْكَسَلِ، وَالْبُخْلِ وَالْجُبْنِ، وَضَلَعِ الدَّيْنِ، وَغَلَبَةِ الرِّجَالِ) رواه البخاري، وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله: المؤمن القوي خير وأحب إلى الله من المؤمن الضعيف وفي كل خير، احرص على ما ينفعك، واستعن بالله ولا تعجز، وإن أصابك شيء فلا تقل لو أني فعلت كان كذا وكذا، ولكن قل: قدر الله، وما شاء فعل؛ فإن لو تفتح عمل الشيطان رواه مسلم.
وذلك لمايترتب على الكسل من ضياعٍ للأعمال وتفويت لكثير من الفرص وفتور في إنتاج المجتمعات وجديتها وتطورها، ولذلك حث الله على المسارعة في الخيرات والمسارعة والتنافس فيها وعدم الاستسلام للكسل وهوى النفس وسَارِعُوا إِلَى مَغْفِرَةٍ مِّن رَّبِّكُمْ وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا السَّمَاوَاتُ وَالْأَرْضُ أُعِدَّتْ لِلْمُتَّقِينَ ، ولذا اجتهد الصحابة أن يكونوا من أصحاب هذه الهمم العالية فها هو أبو بكر الصديق رضي الله عنه يسمع رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يومًا يحدث عن أبواب الجنة وأن مَن كان مِن أهل الصلاة دُعِي من باب الصلاة، ومَن كان من أهل الصدقة دُعِي من باب الصدقة، ومَن كان من أهل الصيام، دُعِي من باب الريَّان، فقال أبو بكر رضي الله عنه، يسأل النبي صلى الله عليه وسلم بهِمته العالية: يا رسول الله، هل على أحد من ضرورة أن يُدعى من تلك الأبواب كلها؟، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: (نعم)، هنالك مَن يُدعى من تلك الأبواب كلها؛ لأنه من أهل تلك الأعمال كلها؛ من أهل الصلاة والصدقة، والصيام وأهل الجهاد والتوحيد، قال: نعم وأرجو أن تكون منهم يا أبابكر.
خطوات وإجراءات
ويحدد الأستاذ عثمان بن عبدالله آل عثمان مشرف الجودة وقياس الأداء في تعليم محافظة الأفلاج: الخطوات والإجراءات التي تحد من فداحة الكسل وتطفئ جذوته:
1 - اختيار أوقات مخصصة ومعلومة القدر لممارسة أي هواية نافعة لاتشكل خطرا ولاتفضي لمنكر، مثل: الرسم والأشغال اليدوية، القراءة الحرة، رياضة المشي، السباحة، التنزه، الصيد.
2 - اختيار صحبة صالحة تعين المرء على بذل الجهد والطاقة وتكريسهما في خدمة البشرية جمعاء.
3- الانخراط في الأعمال التطوعية والمجتمعية المصرح به والمتوافقة مع الأعراف والأنظمة تشغل الوقت وتذهب السأم وتسمو بالروح.
4 - تعلم وإتقان مهارات حياتية جديدة، بالإضافة إلى حضور ورش العمل المكثفة والدورات التدريبية المنوعة المقننة والمفيدة.
الكسل في الشتاء
ويرى الأستاذ عبدالكريم محمد النهيّر الرئيس التنفيذي - شركة عِكل للتجارة والصناعة أنه مع دخول الشتاء يزداد الشعور بالكسل والخمول لدى أغلب الناس، وإنه للتخلص من الكسل لابد من الالتزام المستمر بعمل النقاط التالية التي سوف تساعد كثيرا في ذلك:
1 - الالتزام لأداء الصلوات مع الجماعة.
2 - أداء الرياضة بشكل منتظم ومنها رياضة المشي في الصباح الباكر سوف تساعد على النشاط واستنشاق الهواء النقي وزيادة هرمون السعادة؛ حيث أن المشي في الصباح (بعد صلاة الفجر جماعة) مهم جداً للأسباب المذكورة آنفا ً وهذا سيجعل يوم من يلتزم به يوماً سعيداً وهادئاً بلا عصبية وبلا كسل.
3 - البعد عن السهر والحرص على النوم مبكراً.
4 - أغلب الناجحين من رجال المال والأعمال في العالم (مثل: الشيخ سليمان الراجحي أطال الله في عمره، وبيل جيتس، ووارن بوفيت، وستيف جوبز). يقوموا بالنوم والاستيقاظ مبكرا وممارسة الرياضة (على الأقل رياضة المشي يوميا).
5 - تقسيم المهمة الكبيرة إلى مهمات صغيرة حيث إن بعض الناس يتهرب من المهمة الكبيرة لتعقيدها وكبرها وتقسيم هذه المهمة إلى أجزاء صغيرة يساعد على إنجازها.
6 - الإكثار من شرب الماء حيث إن الجفاف يفاقم الشعور بالتعب والإرهاق.
7 - الاهتمام بنوعية الأكل فبعض الأطعمة تزيد الخمول وبعضها الآخر يجلب النشاط والطاقة اللازمة لإنجاز المهام.
8 - الحرص على تقليل ساعات استخدام التقنية واستبدالها بالرياضة ونقاشات الأصدقاء والأقارب.
الكسل وتأخر الشعوب
وتقول التربوية الأستاذة حصة بنت عبدالرحمن المقرن: لا تصحبِ الكَسَلانَ في حالاتِه، كم صالحٍ بفسادِ آخرَ يفسدُ، عدوى البليدِ إلى الجليدِ سريعةٌ، والجمرُ يُوضعُ في الرمادِ فيخمدُ «أبو بكر الخوارزمي».
والكسل تلك الصفة السيئة التي ذمها ديننا الإسلامي الحنيف ونهانا عنها فعن أبي هريرة رضي الله عنه أنَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (يَعْقِد الشَّيطان على قافية رأس أحدكم -إذا هو نام- ثلاث عقد، يضرب كلَّ عقدة: عليك ليلٌ طويلٌ فارقد، فإن استيقظ فذكر الله انحلَّت عقدةٌ، فإن توضَّأ انحلَّت عقدةٌ، فإن صلَّى انحلَّت عقدةٌ، فأصبح نشيطًا طيِّب النَّفس، وإلَّا أصبح خبيث النَّفس كسلانَ)، وهي الداء القاتل الذي ما أصاب فرداً إلا قللّ من همته وحرمه من العمل الجاد والسعي والبذل، وما أصاب أمة إلا أضعفها وأفشلها وثبّط خطواتها نحو التقدم والريادة.
ويعتبر كسل التفكير من أهم الأسباب المؤدية إلى تأخر الشعوب وعدم تطورها، فالعقل يصدأ كما يصدأ الحديد، فلا يفكر ولا ينتج ولا يبدع عند إهماله وعدم استخدامه.
كما يعتبر الكسل أو التكاسل في الطاعات والعبادات أخطر أنواع الكسل حيث أن الله سبحانه وتعالى قال في سورة النساء إنَّ الْمُنَافِقِينَ يُخَادِعُونَ اللّهَ وَهُوَ خَادِعُهُمْ وَإِذَا قَامُواْ إِلَى الصَّلاَةِ قَامُواْ كُسَالَى يُرَآؤُونَ النَّاسَ وَلاَ يَذْكُرُونَ اللّهَ إِلاَّ قَلِيلاً (142)، فجعل الله هذه الصفة كدلالة واضحة على النفاق والمنافقين.
وأخيرا فإن الكسل هو الموت لأن الإنسان مجبول على السعي والعبادة وما العجز عن ذلك إلا موتاَ محتماً، ولا نقول ختاماً إلا كما قال رسولنا صلى الله عليه وسلم:» اللهم إني أعوذ بك من الهم والحزن، والعجز والكسل».
آفة العصر
وتؤكد الأستاذة لمياء بنت عبدالله البكري، مساعدة الجودة وقياس الأداء بالنماص: إن الكسل آفة العصر وعلاجه واجب وضروري، وبالإمكان تحقيقه من خلال اتباع الطرق والأساليب التالية:
1 - قسم كل مهمة إلى مهمات صغيرة، وعادة ما نتجنب القيام بالمهمات نظراً إلى كبرها وتعقيدها أو شعورنا بالتعب والكسل، ولكن تقسيم المهمة إلى مهمات صغيرة من شأنه أن يساعدك في حل المشكلة، حتى إنك ستنظر إلى المهمة المقسمة إلى أجزاء صغيرة بأنها أسهل ولا تتطلب الكثير من الجهد والطاقة، وبإمكانك تطبيق هذه الطريقة ليس للمهمات فقط، بل من أجل تسهيل تطبيق الأهداف الخاصة بك، وعلاج الكسل الذي تشعر به عندما تصادف مهام وأهداف كبيرة.
2 - الراحة، النوم، الرياضة، عادة يأتي الكسل نتيجة للشعور بالتعب وقلة الطاقة، وفي هذه الحالة أنت بحاجة إلى إعطاء جسمك بعضاً من الراحة والنوم اللازم، ولا تنسى أن ممارسة التمارين الرياضية المعتدلة واستنشاق الهواء الطبيعي سيساعدك في التخلص من التعب والكسل، كما أن التحفيز في بعض الحالات تشعر أنه ينقصك الكثير منه للقيام بأمر ما، فتصاب بالكسل والإحباط أيضاً، ولكن قد تستطيع أن تحفز نفسك بنفسك من خلال التفكير بأهمية المهام أو حتى الأهداف التي يجب أن تقوم بها والفائدة التي ستعود عليك جراء ذلك.
القضاء على المسببات
وتنبه الأستاذة أمل خاطر ابراهيم، مشرفة جودة وقياس أداء بإدارة تعليم محافظتي حوطة بني تميم والحريق: إلى أن الكسل يجعل من أبنائنا معاقين، حيث يعد صفة ازدرائية ذميمة تطلق على الشخص المحب إلى الراحة الدائمة بعكس ما خلقنا الله من أجله في السعي والجد والاجتهاد للحصول على ما نريد ونحقق أهدافنا، ولو كانت الدنيا سهلة ميسرة ما كان الصبر أحد أبواب الجنة، وفي عصرنا الراهن عصر العولمة نجد أن أبناءنا أصبحوا معاقين بسبب الكسل والفتور عن القيام بأبسط الواجبات والفتور عن القيام للعبادة التي خلقوا من أجلها مما ترتب عليه خيبة أمل كبيرة وضغط نفسي في جميع أمور حياتهم ويرجع ذلك إلى عدة أسباب منها التسويف، وإلى مرافقة الكسالى وإلى النفاق، ونضيف عليهم عدم تحملهم للمسؤولية لوجود الخادمة التي تلبي جميع احتياجاتهم بالمنزل، وعدم وجود هدف يسعون من أجله، وانشغالهم بالتقنية التي قضت على أوقات الفراغ بشكل سلبي مما جعلت منهم أشخاصا كسالى، ويعد الكسل في الإسلام صفة ذميمة لذلك فقد تعوذ منها رسول الله صلى الله عليه وسلم في أكثر من موقع فقد روي عن أنس ابن مالك في صحيح البخاري عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: اللهم إني أعوذ بك من الهم والحزن والعجز والكسل والبخل والجبن وضلع الدين وغلبة الرجال.
وتشير أمل خاطر إلى أن الكسل ذكر في مواقع عدة بالقرآن الكريم لما له من آثار سلبية تعود على الفرد والمجتمع، موضحة أن للقضاء على الكسل لابد أن نقضي على مسبباته لكي ننعم بحياة متوازنة سعيدة خالية من الضغوط والفوضى.
برامج توعوية
ويوضح التربوي الدكتور ماجد بن عطية السلمي أن الأعمال التطوعية أحد أفضل الطرق لشحذ الهمم والإحساس بالمسؤولية الاختيارية لذلك لابد تعويد الناشئة على ممارسة العمل التطوعي من خلال التوعية المجتمعية والمدرسية فالعملية التطوعية عمل مستمرة ومتطورة فالاستمرار في الالتحاق بالبرامج التوعوية يجعل الأفراد دوما في حالة استعداد ونشاط مستمر.
معرفة الأسباب
ويطالب الدكتور عزت عبدالعظيم استشاري الطب النفسي بمستشفى الحمادي بالرياض بالبحث عن أسباب هذا الكسل لأن معرفة الأسباب تؤدي للوصول إلى سبل العلاج ومن هنا يجب أن نفرق بين الكسل كنمط اجتماعي والكسل عندما يكون عرضاً من أعراض الأمراض النفسية أو نتيجة للمرض العضوي لأن البرنامج العلاجي للتخلص من هذا الكسل سيتركز على معرفة الأسباب في الحالتين بالتأكيد لكي نستأصل هذا الداء اللعين من جذوره، ويجب أن نعترف أن الكسل أصبح آفة كبرى في المجتمعات العربية خصوصاً وباقي دول العالم عموماً. فالعصر الذي نعيشه الآن رغم التقدم والحضارة والتكنولوجيا وما أحدثه من طفرة في خدمة ورفاهية الناس عن طريق سهولة وسرعة التنقل والتحرك والاتصالات والأسواق وتوفير كل مستلزمات الراحة والترفيه للبشرية كل ذلك قد انعكس سلباً على الناس وأدى إلى حالة من الكسل العام لدى معظم أفراد المجتمعات وانعدام الباعث على المجهود فالكل ركب السيارات وسافر بالطائرات ويستخدم المصاعد وما إلى ذلك من وسائل الراحة وبالتالي زاد الكسل لدى الناس وانتشرت السمنة المفرطة بدرجة مخيفة بين الشباب يغذيها عامل قلة توافر فرص العمل وازدياد معدلات البطالة مع ثقافة الاتكالية على الآباء في كل شيء من جانب الشباب وتفضيل الجلوس على المقاهي أو أمام شاشات التلفزيون ووسائل التواصل الاجتماعي ووسائل الترفيه التي أدت لحالة من الكسل العام حتى أن الناس في هذه الأيام لم تعد تتزاور ولو في الأعياد واكتفوا برسائل المعايدة من الجوالات!!
ويبين د. عزت عبدالعظيم إن هذا الكسل النمطي أخطر من الكسل المرضي لأن الشخص النشيط المنتج والفاعل في المجتمع عندما يحدث له كسل مؤقت بسبب مرض نفسي كالاكتئاب أو تعاطي المهدئات أو نتيجة مرض عضوي مثل اضطراب الغدة الدرقية فيقوم باللجوء للطبيب والوصول للتشخيص وأخذ العلاج ويتخلص الشخص من هذه المشكلة ولكن الكسل النمطي كالسوس ينخر في شباب الأمة ويتغلغل بين الناس ويحتاج لثورة شاملة على كل العومل المهيئة والمؤدية لهذا الكسل حتى تنهض الشعوب من نومها العميق.