«الجزيرة» - الرياض:
أكد صاحب السمو الملكي الأمير سلطان بن سلمان بن عبدالعزيز رئيس مجلس إدارة الهيئة السعودية للفضاء أن مهمة شعوب المنطقة تتجاوز التسابق في التقنية والذهاب إلى الفضاء لينقلوا معهم القيم العظيمة والصادقة التي نبعت من هذه الأرض المباركة وأن نساهم مع العالم في تغيير المستقبل لنجعله أفضل، مؤكداً أن المملكة بدأت منذ عام 1985م خطوات متقدمة في الاستفادة من الفضاء اقتصاداً ومستقبلاً.
وأضاف سموه: إن المملكة تمتلك قاعدة علمية متطورة وثروة حقيقية في مجال البحث العلمي، قوامها الآلاف من الطلاب والطالبات المتخرجين من الجامعات المحلية والجامعات العالمية المتميزة، وكذلك السعوديين الذين يتبوؤون مواقع متميزة عالمياً في مجالات علمية متنوعة منها الطب والتقنية والهندسة ومراكز الأبحاث المرموقة، إضافة لامتلاك منظومة جامعات حديثة متطورة استطاعت أن تحمل عبء برامج التجارب العلمية.. لافتاً إلى أن عدد المبتعثين للجامعات خارج المملكة وصل في بعض الفترات نحو 200 ألف طالب وطالبة مع أسرهم.
وتطرق سموه إلى التطور الذي شهدته المملكة طوال تاريخها.. مؤكداً أن المملكة اتجهت للتركيز على بناء وتنمية الإنسان السعودي منذ عقود طويلة، واستغلت الطفرة البترولية ليس فقط في تطوير البنى التحتية بالمملكة وتحديثها، إنما اهتمت كثيراً بجهود بناء الإنسان وتأسيس الجامعات ومراكز البحوث.. لافتاً إلى أن الجامعات السعودية تصنف اليوم ضمن قائمة الجامعات المتقدمة في العالم.
وتناول الأمير سلطان تجربة المملكة الرائدة في مجال الفضاء والتكنولوجيا، حيث شاركت في رحلة الفضاء في العام 1985، وقال إنها كانت متقدمة كثيراً في مجال التقنيات الفضائية، وخاصة في مجال الاتصالات، وكانت الشريك المؤسس الأكبر لمؤسسة عرب سات عام 1976، ومازالت قائمة ولديها شبكة أقمار صناعية.
وروى سموه تفاصيل جديدة عن رحلته إلى الفضاء عام 1985 فأوضح «أنه كان الشخص الوحيد من القطاع غير العسكري، وكان إلى جانبه فريق علمي كبير مكون من 35 شخصا من علماء ومساندين، وأكثرهم كانوا من جامعة الملك فهد للبترول والمعادن، ولذلك قبل 35 سنة الماضية كان لدينا رصيد كبير من العلماء».
وطالب سموه «بضرورة أن نسابق الزمن حتى نستطيع أن نتعايش مع هذا العصر الجديد، عصر أولادنا وعصر الشباب، فالمؤسسات التي تشرّف بإدارتها في المملكة، والآن «الهيئة السعودية للفضاء»، تعتبر من أكثر المؤسسات المتقدمة في مجال تقنية المعلومات والمبادرات والإبداع»، لكن سموه لفت إلى أنه «لا يكفي الإنسان أن يُسابق الزمن بالتقنية، وحتى بالتعليم، أو الوظيفة والإبداع فيها، فنحن أبناء الجزيرة العربية كلنا نأتي من بلد الإسلام، وبلد مرحب بالانفتاح والأديان الأخرى، فلا بد أن نسير في حياتنا محافظين على قيمنا التي تجعل حياتنا أثرى وبصورة أكبر».
وتوقع سموه أن يتاح خلال السنوات العشر المقبلة المشاركة في رحلات الفضاء، ولو كانت قصيرة، «لأن أهم ما في رحلة الفضاء أنك تستطيع أن ترى هذا الكوكب من مسافة أبعد، ترى كوكب الأرض الذي تحارب فيه الناس، فالأمل في جيلكم أن تبدأوا رؤية العالم بحجمه الصحيح، وعندما تذهب إلى الفضاء سوف تجد أن الكرة الأرضية هي كوكب صغير يعيش في مساحة مظلمة في الفضاء، وكل الناس يعيشون في هذا الكوكب الوحيد الصغير، ومع هذا يتناحرون ويلحقون الضرر بالبيئة».
وأكد سموه: «أن المملكة تراهن على الشباب السعودي، لإيمانها بأن توجيه الشباب الوجهة الصحيحة يمكن من تغيير الواقع ويحقق النقلة التي تنتظرها المملكة».. لافتاً إلى «أن المملكة تستقبل هذا العام حدثاً فريداً يتمثل في رئاستها لمجموعة العشرين، واستضافة قمة المجموعة بالرياض، وأن الهيئة ستستغل الحدث لأول مرة لربط القمة بقطاع الفضاء».
وعن رؤية سموه للفضاء قال: «نحن ننظر إلى قطاع الفضاء ليس فقط لإطلاق روّاد الفضاء وإنما أبعد من ذلك، ولهذا تم تصميم «برنامج أجيال» وتم إقراره من مجلس إدارة الهيئة وبدئ العمل فيه، والذي انطلق بتعاون مركز الملك عبدالعزيز للموهبة والإبداع «موهبة»، ولديّ مجموعة مستشارين من طلاب المدارس، وأنا أسعد بذلك، عشرة مستشارين، من المرحلة الابتدائية وحتى المرحلة الثانوية، ولدينا الآن كوادر جديدة أكثرهم تخرجوا حديثاً من الجامعة، نبنيهم حتى ينطلقوا ويخرجوا بهذه الهيئة الوليدة إلى المستقبل إن شاء الله».
كما كشف أن الهيئة ستعلن خلال الربع الأول من العام الحالي برنامج تأهيل رواد الفضاء السعوديين، مؤكداً أنه برنامج جدي سيعمل على اختيار المواطنين بأعلى المواصفات العلمية، وسيتم إجراء أبحاث الفضاء التي تعزز تجربة الفضاء السعودية.. وتابع سموه: «سوف نعمل على إنشاء الشركة السعودية للفضاء، والتي من ضمن برامجها التمويل، وأن تدخل في شراكات مع شركات صغيرة».
وأوضح أن رؤية وعمل مركز الملك سلمان لأبحاث الإعاقة تنصب لخدمة الإنسانية القائمة على البحث العلمي وسيأتي يوم لا نرى شخصا يحتاج أن يجلس على كرسي متحرك، وإن شاء الله لن نجد شخصاً كفيفاً، نحن نعمل لتغيير حياة الناس من خلال الأبحاث العلمية المتقدمة، ومجال الفضاء ومجال الجاذبية يُعطي فرصة كبيرة لهذا الأمر».
وعن علاقات التعاون بين المملكة والإمارات في مجال الفضاء عبر سموه عن تطلعه لزيارة «الإخوة في برنامج الإمارات للفضاء، ليتحدثوا إلى لإخوانهم وأخواتهم في المملكة عن إنجازاتهم في هذا البرنامج، كما عبر عن تطلع سموه إلى توقيع اتفاقية للتعاون في الفضاء قريبا مع الإمارات، «ويمكن أن تكون هناك رحلة مشتركة للفضاء في قادم الأيام».. مؤكداً سموه أن المملكة والإمارات متناغمين ومتلازمين.
وخاطب سموه رائدي الفضاء الإماراتيين اللذين كانا حاضرين اللقاء فأثنى على دورهما وقال: «إنكما رفعتما رؤوسنا، ومهمتكم كانت صعبة، وبرنامجكم التدريبي كان طويلا ومعقداً، ولكنكم حقيقة كما عرفت منكما، وأيضاً من الذين تدربتما على أيديهم وعملتما معهم، أنكما كنتما في أفضل مراحل الأداء؛ وأيضاً هما زميلان طياران عسكريان، فنحن لا بد أن نعتز ببعضنا البعض».
وروى سموه تفاصيل لقائه التاريخي مع الراحل المؤسس الشيخ زايد -رحمه الله- وقال إنه من الذين أعطوه جرعة من التطلع للمستقبل.. مشيراً إلى أنه كان زار الإمارات سنة 1988 بتكليف من الملك فهد بن عبدالعزيز -رحمه الله-، والذي كان الملك فهد -يرحمه الله- يُتابع تفاصيل الرحلة إلى الفضاء بشكل يومي وكان يجري اتصالاً أسبوعياً بالفريق المشارك.. كما كان -يرحمه الله- في مقدمة مستقبلي الفريق العلمي الذي شارك في هذه المهمة في مطار الطائف، حيث احتشد الآلاف من المواطنين والمواطنات في أرض مطار الطائف وباقي مناطق المملكة للاحتفاء بهذا الإنجاز الذي كانوا يرونه إنجازاً لهم ولوطنهم.
وأشاد سموه «بالشيخ زايد -رحمه الله- وقال إنه كان رجلاً يملك نظرة بعيدة، وله تاريخ مع جدنا الملك عبدالعزيز -رحمه الله- مؤسس المملكة».. وأردف سموه: «كان تاريخاً قوياً وتاريخ بناء دول، ولم يكن فقط تاريخ علاقات شخصية، ولذلك عندما قابلني كان يسأل عن كل شيء.. كيف انطلق الصاروخ، وكيف عملتم، وكيف كان الفريق العلمي، فقلت له: «يا طويل العمر، هل تفكر بالذهاب في رحلة الفضاء، تلفت قليلاً وقال: ودي بس ما يدَعُوني. كان مشغولا ببناء دولة».
وتابع سموه: «المملكة العربية السعودية ليست وحدة جغرافية، هي وحدة قلوب، وأنا أشعر أن الإمارات أيضاً كما قال الشيخ زايد في فترة من الفترات، كيف يجمع قلوب الناس حتى يستقروا مع بعضهم، وليس يجمع فقط حدود جغرافية أن يُجبر الناس على الاتحاد».
وأشار سموه إلى الدور الذي لعبته والدته في تربيته وصقله: «بقي أن أقول للأخوات الجالسات، بلاشك والدي رجل يعمل ويخدم بلاده ليلاً ونهاراً، وتربينا كرجال، لكن أنا أتكلم معكم بالنيابة عن إخواني وأهلنا جميعاً، ووالد الجميع الملك سلمان والدي، قال هذا الكلام بشكل معلن، قال نحن والدتنا من جعلتنا على ما نحن عليه اليوم، وأدين بالفضل بعد الله لوالدي ووالدتي وأسرتي وبناتي فيما أنا عليه اليوم».
حضر المناسبة معالي وزير التربية والتعليم الإماراتي الأستاذ حسين الحمادي، ومعالي الدكتور حمد الفلاسي وزير الدولة الإماراتي لشئون التعليم العالي ورئيس مجلس إدارة وكالة الإمارات الفضائية، ومعالي وزيرة الدولة لشئون التعليم العام السيدة جميلة المهيري.